ملخص المقال
أحدث بعض الناس من محدثات ومخالفات وما تعارفوا عليها من رسوم وعادات تضعف الصوم وتقلل فائدته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الفرائض الإسلامية كلها عظيمة النفع، جليلة الأثر، تعود بالفوائد على الفرد تطهيرًا لقلبه، وتهذيبًا لنفسه من جهة، وتقويمًا لسلوكه، وتحسينًا لأخلاقه من جهة أخرى؛ فهي إصلاح للفرد باطنًا وظاهرًا. كما أنها تنعكس على المجتمع تقوية للروابط، وزيادة للتآلف، وبعثًا على التراحم، وحثًّا على التعاون، ومن ثَمَّ فهي تحقق المصالح للأفراد والمجتمعات، إضافةً إلى كونها تحقق الهدف الأعظم وهو عبودية الله، ودوام وحسن صلة العبد بمولاه.
وعندما يؤدي المسلمون الفرائض كاملة كما أمرهم الله، وكما علمهم رسول الله r فإنهم يجنون ثمارها ومنافعها، كما كان أسلافنا عليهم رحمة الله، وعندما يتركونها أو يؤدونها أداءً قاصرًا لا تستكمل فيه الشروط والأركان، ولا تستحضر فيه القلوب والذهان؛ فإن كثيرًا من الخير يفوتهم، وتضيع عليهم تلك المنافع العظيمة بقدر ما يفرطون.
وأما المسلمون اليوم فإن بعضهم غيّروا فغيّر الله عليهم وفق سنته الجارية: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فأنت ترى –وللأسف- قلوبًا عن الحق لاهية، وألسنة للباطل لاغية، وآذانًا للمحرمات مصغية، وأعينًا للعورات ناظرة، وصورًا من الشحناء ظاهرة، ولك أن تسأل أين أثر الصوم؟ وأين ثمار رمضان؟ وأقول لك: إن الصوم إذا "لم يؤتِ ثمرته النافعة فليس النقص منه، إنما النقص من سوء تصرف الصائم وعدم صحة قلبه، وطهارة ضميره، وعدم حسن تفكيره".
ولك أن تسأل عن سر إعراض البعض عن الطاعات، وتلبسهم بالمنكرات ومقارفتهم للمحرمات رغم اختصاص رمضان بتصفيد الشياطين، ولعلك تقول: "كيف نرى الشرور والمعاصي في رمضان واقعة في رمضان كثيرًا فلو صُفِّدت الشياطين لم يقع ذلك؟ والجواب: أنها إنما تقل عن الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه. والمصفَّد بعض الشياطين لا كلهم، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية".
ولا تنس أن بعض الناس جعلوا العبادات عاداتٍ، ومن كان هذا حاله كان "صيامه كتقليد موروث لا ينتفع به ولا يتأثر في أي ناحية من نواحي سلوكه، فيكون قد خرق الحكمة الناشئة من الصوم الصحيح".
وقد أحدث بعض الناس من محدثات ومخالفات، وما تعارفوا عليها من رسوم وعادات تُضعِف الصوم وتقلِّل فائدته، وتهبّ على نفحاته النديَّة بلفحات تبددها، فينقلب الأمر رأسًا على عقب. وهذا الأمر -وللأسف- واقع من عدد غير قليل من الناس يخبرك حالهم أنهم لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام ولا قيام، جعل الله الصوم للقلب والروح وجعلوه للبطن والمعدة، وجعله الله للحلم والصبر، فجعلوه للغضب والطيش، جعله الله للسكينة والوقار، فجعلوه شهر السباب والشجار، جعله الله ليغيروا فيه من صفات أنفسهم، فما غيَّروا إلا مواعيد أكلهم، جعله الله تهذيبًا للغني الطاعم ومواساة للبائس المحروم، فجعلوه عرضًا لفنون الأطعمة والأشربة، تزداد فيه تخمة الغني قدر ما تزداد فيه حسرة الفقير.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، واجعلنا في كل الأزمان لك عابدين، وفي كل الأحوال بك موصولين، وفي كل مكان عليك متوكلين، والحمد لله رب العالمين[1].
التعليقات
إرسال تعليقك