جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
حوار مع الشيخ أحمد الصويان يتحدث فيها عن قضايا إسلامية شائكة مثل حصار غزة والحرب الفرنسية في مالي، وإيران وموقفها من الثورة السورية والمنطقة
توقع فضيلة الشيخ أحمد الصويان رئيس تحرير مجلة البيان، أن تستمر فترة الصراع في مالي وخاصة حينما تعمد فرنسا إلى الزّج بالقوات المالية الجنوبية والقوات الأفريقية في الصراع بدلاً من استنزاف قدراتها وإمكانتها، مؤكدًا أنّ الغرب بما فيهم الولايات المتحدة، وإن كان بينهم سباق على مناطق النفوذ في الصحراء الغربية إلا أنّ لديهم مصالح مشتركة وهي القضاء التجمعات المسلحة في مالي.
واستبعد أن يكون للجامعة العربية والمؤسسات أو المنظمات الدولية دور في حل الأزمة في مالي، بعد أن ترهلت هذه المنظمات وأفلست وصارت مكبلة بالقيود السياسية وصارت عاجزة حتى عن التدخل في الأزمات الإنسانية، فمن غير الممكن أن يعول عليها بكثير أو قليل.
"المسلم" كان له لقاء مع الدكتور الصويان، بعد زياراته الأخيرة لعدد من الدول من بينها ليبيا وقطاع غزة، ليلقي الضوء على الأوضاع في تلك الدول والتحديات التي تواجهها.
** بداية علمنا عن عودتكم مؤخرًا من زيارة إلى غزة لو تلقون الضوء على هذه الزيارة وما حققتم فيها من أهداف؟
- بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
هذه الزيارة إلى غزة كانت ضمن وفد من حوالي عشرة دول من مختلف أنحاء العالم العربي ضمن مؤسسة أميال من الابتسامات، وتهدف هذه القافلة إلى المساهمة في كسر الحصار عن غزة ونصرة الإخوة في تلك الأرض المباركة، وحقيقة أما عن نفسي فإنّني حينما شاركت في هذه القافلة المباركة كان لديّ شعور بأنّ أهل غزة فيهم من الرجولة والبطولة والثبات على الحق ما يجعلهم بإذن الله تعالى قادرين على تحمل أعباء ذلك الحصار الجائر الذي تواطأت عليه القوى الكبرى وبعض دول المنطقة، وثبات الإخوة في غزة ليس غريبًا فهم عوّدونا على التضحية وقدّموا أروع الأمثلة في الاستشهاد والشجاعة والإقدام في هذه المعركة ولهذا كان الهدف عندي على وجه الخصوص هو كسر الحصار، لأننا للأسف الشديد مكبلين بحصار من الوهن والعجز وحب الدنيا، والوهن السياسي والإعلامي والثقافي يحيط بنا في كل مكان، وثقافة التطبيع والهزيمة للأسف الشديد أيضًا تسيطر على كثير من إعلامنا العربي، فلكل هذه العوامل رأيت بأنّني حينما أشارك في هذه القافلة إنما في الحقيقة أتخلص من آثار الوهن والضعف الذي نحن فيه.
ولما ذهبنا إلى غزة والتقينا بالناس والتقينا بالدعاة والمجاهدين ورجال الدعوة الإسلامية وعامة الناس بمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والفكرية قلتُ لهم حقيقة نحن ما جئنا لتعليمكم ولم نأت من أجل أن نتظاهر أمامك بالنصيحة وإنما حقيقة جئنا من أجل أن نتربّى على أيديكم.
وحقيقة سمعنا ورأينا من النماذج ما يعجز اللسان عن وصفه والقلم عن كتابته، نماذج من الرجولة، من البطولة، من التضحية والفداء؛ حيث لا تكاد تذهب إلى أي أسرة من الأسر إلا وتجد أن الأسرة فيها شهيد أو شهيدين أو ثلاثة، بل حتى بعض الأسر التي رأيناها فيها أكثر من عشرة شهداء، بل ذهبنا إلى أسرة الشيخ نزار ريان رحمه الله وأخبرونا بأن الشيخ وزوجاته الأربع ومن كان حاضرًا من أبنائه استشهدوا كلهم في صاروخ واحد وبلغ عدد الشهداء في هذا البيت وحده سبعة عشر شخصًا، فمثل هذه النماذج لا شك أن الإنسان يقف أمامها ضعيفًا عاجزًا متربيًّا يحاول أن يقتبس من نور الثبات والعزيمة والإصرار الذي وجدناه عند هؤلاء، حتى أننا أحيانًا نسمع عن بعض الأسر أنه يوجد فيها أسير أو أسيران أو ثلاثة أو أكثر في سجون الاحتلال، وهذا يدلُّ على أنّ الشعب شعب قوي شعب بطل ثابت لم تهده المحن ولم تكسره.
اليهود كانوا يريدون أن يكسروا إرادة هذا الشعب بكثرة القتل والأسر وإثارة الخوف والدمار في المجتمع الفلسطيني ولكنهم فوجئوا بأنّ هذا الشعب لا تزيده المحن إلا صلابة وثباتًا وقوة وإقبالاً على التضحية، حتى من اللطائف التي وقفتُ أمامها عاجزًا خجلاً من نفسي حينما التقيتُ طفلاً تقريبًا في العاشرة من عمره فسألته عن عمره فقال في العاشرة فأردت أن أحيي الهمة في نفسه فقلت إن شاء الله إذا كبرت سوف تكون طبيبًا أو مهندسًا فقال "ما بيهم" فنظر إلى علامات الاستغراب في وجهي فقال "أنا بدي أستشهد"، فمثل هذا الموقف يجعل الإنسان ينظر إلى نفسه نظرة ازدراء، ولهذا أنا قلت بأننا نحن ذهبنا من أجل أن نتربى على أيديهم، ولعل الله سبحانه وتعالى يعيننا على أنفسنا، وعلى الرغم من الجراحات والآلام وكثرة القتل وكثرة الأسر وكثرة الحصار وتواطؤ الأمم عليهم، إلا أن الله سبحانه وتعالى ناصرهم بإذن الله تعالى، ولهذا أنا أقول بأن الخوف ليس على إخواننا في غزة وإنّما الخوف علينا نحن.
** ربما ترددت بعض الوفود على غزة وكانت منها قبل فترة رابطة علماء المسلمين، ما دور هذه الوفود بعد عودتها من زيارة غزة؟
- غزة في حاجة إلى مسائل كثيرة جدًّا ابتداءً بالنصرة السياسية، ومرورًا بالنصرة الاجتماعية والنصرة الإغاثية، إلى غير ذلك من ألوان النصرة، وأذكر لك مثالاً بسيطًا جدًا؛ فغزة عبارة عن شريط حدودي على البحر الأبيض المتوسط ومعظم المياه الموجودة في القطاع مياه مالحة غير صالحة للشرب، وهذه واحدة من الأزمات الإنسانية الكبيرة التي يحتاج إليها الناس، فالماء العذب الصالح للشرب الصالح للزراعة لا شك أنّه يمثل أزمة، وأزمة أبناء الشهداء، وأزمة الجرحى، وأزمة المعاقين، وأزمات كثيرة جدًّا، بالإضافة إلى القضية السياسية.
أما القضية الإعلامية فالمشكلة أن الإعلام عندنا يشوه أبعاد الصراع مع الكيان الصهيوني ويعطي صورة -للأسف الشديد- مخزية لطبيعة هذا الصراع، ولهذا أنا أقول أن واحدًا من أبواب النصرة التي يحتاج إليها إخواننا في فلسطين هو بيان طبيعة وحقيقة المعركة في الواقع المعاصر بأن المعركة ليست معركة على الزيتون أو معركة على التراب أو معركة على الأرض أو معركة على مسائل قومية أو وطنية، وإنما هي معركة دين وهذا المعيار هو الذي يحاول أن يغيبه الآن كثير من إعلامنا المعاصر، فأنا أقول بأن دور هذه القافلة والقوافل الأخرى مثل زيارة رابطة علماء المسلمين وغيرها لا شك أن لها أثرًا كبيرًا جدًّا بأن يشعر إخواننا في فلسطين أنّنا جزء منهم وأنّ قضيتنا هي قضيتهم كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يوسف: 69]، فهذا الشعور بهذه الأخوة والنصرة لا شك أنه له أثر كبير جدًا علينا وعليهم.
** ما هي نظرتكم لمستقبل الربيع العربي وما إذا كان ثمة دول مرشحة للانضمام له؟
- الربيع العربي لا شك أنه فاجأ الجميع، وبالمناسبة أنا أعتقد بأن الربيع العربي ربما انطلق من غزة أكثر من أي بلد آخر، رغم أنه في الأدبيات السياسية المعاصرة يقولون إنه انطلق من ثورة تونس، لكنني أعتقد أنه انطلق من غزة؛ حينما حسمت حركة المقاومة الإسلامية حماس خيارها السياسي في غزة واستطاعت أن تطهر هذا القطاع من مجموعة من الفاسدين الذين أفسدوا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في هذه الأرض المباركة.
أما عن الربيع العربي فالآن وبعد مرور أكثر من سنتين عليه فإنّه لا شك أنّ معالم هذه الصورة الآن أصبحت أكثر وضوحًا من ذي قبل، والمتابع لمفاصل الصراع والتدافع في الربيع العربي يشهد أنّنا أمام الصراع على الهوية، بمعنى أنّ الأنظمة القمعية الاستبدادية السابقة مسخت هوية الأمة وشوهت فكرها وثقافتها ونتج من ذلك أيضًا فساد فيما يتعلق ببرامج التعليم وبرامج الإعلام، والفساد الأخلاقي والاجتماعي، وإفساد الأسرة والمرأة، إلى آخر ذلك من الثمار النكدة التي جرتها تلك الأنظمة على العالم العربي، وجاء الربيع العربي من أجل أن يعيد الهوية من جديد؛ حيث إن الناس بدءوا يفهمون ونظرون إلى هويتهم نظرة جديدة، ويريدون أن يعودوا إلى دينهم، وبدأت الشعوب تعود إلى المساجد، وبدأت التجمعات تنطلق من المساجد، وبدأت المظاهرات تنطلق أيضًا من الجوامع، والشعارات التي تنطلق من هنا وهناك تطالب بتحكيم الشريعة، إلى آخر ذلك من القضايا التي تدل على أن حقيقة الصراع هو صراع الهوية.
ولهذا حينما تتابع الأحداث في مصر وفي تونس على وجه التحديد سوف تجد أن الاتجاهات الليبرالية والعلمانية بشكل عام أصبحت قلقة قلقًا كبيرًا، لأن العلمانية التي جذّرتها الأنظمة في أرضنا العربية لعدة عقود وأدخلتها في كل مفاصل الدولة والمجتمع في الحكم في السياسة في الاقتصاد في المنظومة الاقتصادية البنكية وغيرها في التعليم والإعلام إلى آخر ذلك، يشعرون أن هذه الجذور بدأت تترنح وتتهاوى، ولهذا ازداد تشنجهم في التعامل مع هذه الثورات الشعبية وبدأت تنتج الآن ثورات مضادة تحاول أن تعوِّق هذه المسيرة وتحرفها عن اتجاهها الصحيح وتحاول أن تدخل البلاد في أزمات.
ولهذا أنا أقول بأن الشعوب أدركت حقيقة الصراع ولهذا أنا على الرغم من المشكلات أو التعثر الحاصل الآن في بعض الدول دول الربيع العربي مثل تونس وفي مصر إلا أنني متفائل كثيرًا بأن الشعوب الآن بدأت تعي وتدرك كثيرًا من التحديات التي تواجهها، لكن أيضًا فساد عقود متتابعة لا يمكن إصلاحه خلال أشهر محدودة وإنما يحتاج إلى جهد ضخم، فنحن أمام تحدٍّ كبير جدًا في إعادة البناء، وإعادة تشكيل الهوية، وإعادة بناء المجتمع، ومعالجة المشكلات الكبيرة التي أنتجتها تلك الأنظمة الفاسدة كالبطالة والمخدرات، وفي كل ميدان من ميادين الدولة والمجتمع تجد أن عندنا أزمة، وبالتالي إعادة هذا البناء يتطلب أولاً استنهاضًا كبيرًا لكل الطاقات والهمم، والأمر الثاني محاولة تقديم البديل الواعي الناضج الذي يستطيع أن يعيد الكفة من جديد إلى الشارع العربي.
** كنتم في ليبيا قبل حوالي شهرين لحضور مؤتمر تحديات ما بعد الربيع العربي.. ما هي انطباعاتكم عن ليبيا واحتياجاتها والتحديات التي تواجهها؟
- أنا أعتقد أن ليبيا أرض بكر يوجد فيها من الفرص الدعوية الشيء الكثير، المجتمع مجتمع مقبل على الخير، مجتمع واعد محبٌّ للدين محبٌّ للعلماء والدعاة، وهو في مرحلة إعادة البناء، وحكومة القذافي الهالك حطمت البلد، على الرغم من أنّ هذا البلد بلد نفطيّ إلا أنه لا توجد فيه أي بنية أساسية، فقد اختزل البلد كله في شخصه وشخص أسرته، وبالتالي هم الآن بعد أن استطاعوا أن يقضوا على هذا النظام الفاسد، أمامهم تحدٍّ ضخم وكبير جدًا في إعادة بناء الدولة، والانتقال من الثورة إلى الدولة، ومتطلبات الثورة تختلف عن متطلبات بناء الدولة، وهذا يعني بأنّ هناك مرحلة جديدة وكبيرة جدًا يجب أن ينطلق إليها إخواننا في ليبيا، وأنا أعتقد أن الفرص الممكنة في ليبيا كثيرة إذا أُحسن توظيفها.
المشكلة التي يعاني منها بعض الدعاة الآن ربما شيء من الاختلاف وتباين في وجهات النظر في التعاطي مع أولويات المرحلة؛ حيث لا زالت بعض الكتائب تفكر بعقلية الثورة الليبية وليس بعقلية الدولة الليبية، ولا زال بعض الدعاة ربما لا يحمل مشروعًا إصلاحيًّا متكاملاً، لا شك أن هذه كلها تحديات كبيرة جدًّا، لكن في نفس الوقت أحسب بأنّ هناك طاقات كبيرة وإمكانات بشرية واعدة ومستقبلها بإذن الله تعالى مشرق.
** فيما يخص هجمة المستعمر الفرنسي على مالي، هل تتوقعون مدى طويلاً لهذه المعارك؟
- الوجود الفرنسي في مالي أو في إفريقيا على وجه العموم ليس شيئًا جديدًا، فالعقلية الاستعمارية متجذرة في العقلية الفرنسية من عقود، وهي تعتبر إفريقيا أحد مناطق النفوذ الفرنسي، ولهذا فرنسا تعاملت مع الحركات الإسلامية في مالي بمنطق وعقلية المتغطرس، عقلية المستعمر المستبد الذي حتى يتجاوز القيم التي هم يتحدثون عنها في محافلهم الدولية.
الذي حصل في مالي أن الحركات المسلحة في شمال مالي انسحبت من ساحة المعركة وانحازت إلى الصحاري والجبال، ودخلت القوات الفرنسية ومن معها من القوات العسكرية المحلية إلى المدن الرئيسية، المتوقع في المرحلة القادمة أن تتحول الحرب إلى حرب عصابات وحرب استنزاف، فإن استمرت فرنسا بنفسها في المنطقة فإنّ هذا سوف يؤدي إلى مزيد من الصراع والاستنزاف الكبير للحكومة الفرنسية، وأنا أستبعد أن تبقى بنفسها وسوف تزج بالقوات المالية الجنوبية والقوات الإفريقية بمواجهة هؤلاء المسلحين، وبالتالي سوف تستمر حرب العصابات بشكل كبير جدًّا، وبالمناسبة هذه الحركات الانفصالية ليست جديدة فهي موجودة منذ عصر الاستعمار الفرنسي، والنزعة الانفصالية لبعض المنظمات الأزوادية موجودة من ذلك الوقت، وبالتالي أمر هذا الصراع ليس قصيرًا إنما هو طويل يمتد على طول بقاء الاستعمار في إفريقيا، ولهذا أيضًا متوقع أن يستمر فترة طويلة في المرحلة القادمة.
** هل تعتقدون أن عملية غزو مالي ستترك أثرًا لدى أهلها والشعوب المجاورة ما الذي تتصورونه في هذا الصدد؟
- وجه فرنسا الاستعماري البغيض لا شك بأنه حاضن القوة في إفريقيا، فتاريخ الاستعمار الغربي بشكل عام وخاصة الأوروبي مرتبط بالرق، وبسرقة العبيد إلى أوروبا، وبسرقة المقدرات الاقتصادية في المنطقة، ويرتبط بترسيخ دامٍ لمجموعة من العملاء للغرب، وبالتالي أنا أجزم بأن هذه الحرب سوف تترك أثرًا كبيرًا في الشارع الإفريقي بمعنى أن آثار الاستعمار التي كانت قبل عقود سوف تتجدد في الشارع الإفريقي، وسوف تنكشف أمام الأفارقة حقيقة هذا الفكر الاستعلائي؛ حيث إن أوروبا بشكل عام وفرنسا تتعامل مع الأفارقة بمنطق الاستعلاء والاستعباد و القهر، وهم يعتبرون إفريقيا مجرد حديقة خلفية توجد فيها المعادن الثمينة، وبالتالي يتعاملون معها على أنّها جزء من المحميات الاستعمارية، ولهذا أنا أحسب أن الشعوب الإفريقية سوف تقف وقفة ردة فعل كبيرة جدًا إزاء هذا الاستعمار الجديد.
نعم صحيح أن هناك ترحيب من بعض الإخوة في مالي لدخول القوات الفرنسية لكن أحسب أن هذا سوف يكون تأثيره محدودًا في الشارع المالي في المستقبل وسوف يبقى الوجه الاستعماري هو الوجه الطاغي في إفريقيا كلها.
** هل تعتقدون أنّ واشنطن تورط فرنسا عبر مجموعات مسلحة تستنفذها في الأزواد أم أنّ الأمر محض تعاون بينهم؟
- هو لا شك في أن إفريقيا في عقود سابقة كانت منطقة تسابق وصراع بين فرنسا وبريطانيا وكانت أمريكا بعيدة عن هذه الساحة من الصراع، ثم بعد ذلك في الآونة الأخيرة وُجدت منافسات جديدة بين هذه القوى المختلفة وبدأت ملامح هذا الصراع والسباق على استثمار إفريقيا اقتصاديًا بين عدة أطراف أوروبا بشكل عام خاصة فرنسا وبريطانيا، والطرف الآخر أمريكا، وفيه الطرف الثالث الصين وروسيا، ثم انحسرت روسيا، وانحسرت بريطانيا وفرنسا، ثم بعد ذلك بدأ تتصاعد القوة الأمريكية والقوة الصينية.
أمريكا طبعًا مستاءة جدًّا من وجود بعض التجمعات المسلحة في الصحراء المالية، وتريد القضاء على هذه المجموعات لكنها لا تريد أن تدخل في حروب جديدة بعد أن أنهكتها الحرب الأفغانية ثم الحرب العراقية إنهاكًا شديدًا، فلا تريد أن تورط نفسها في معركة جديدة، ولهذا أحسب أنّها رحبت بالحرب الفرنسية وحاولت أيضًا أن تعطيها جزءًا من الغطاء السياسي في المحافل الدولية في الأمم المتحدة، مع أنّ فرنسا تجاوزت مجلس الأمن الذي وضعوه هم من أجل أن يحفظ الأمن والسلم العالمي ومع ذلك هم تجاوزوا هذه الأنظمة فأعطتهم أمريكا جزءًا من الغطاء السياسي في هذه المنطقة، وبالتالي أنا أشعر أن هناك -وإن كان هناك تسابق على مناطق النفوذ خاصةً على اليورانيوم في الصحراء الإفريقية- لكن ربما يكون فيه أيضًا مصالح مشتركة للقضاء على بعض التجمعات المسلحة في مالي.
** فضيلة الشيخ من الملاحظ أن اضطهاد المسلمين العرب في مالي لم يسلط عليه الضوء في القمة الإسلامية، ولم تصدر ضده أي إدانة من الجامعة العربية، لماذا برأيكم ؟
- الجامعة العربية للأسف الشديد الجامعة العربية والمؤسسات أو المنظمات الدولية كلها ترهلت وأفلست، ففي كل أزمة من الأزمات التي تمر بها الأمة في المنطقة تثبت مزيدًا من الإفلاس ومزيدًا من الضعف، وهي مكبلة بقيود سياسية كثيرة، وهذا يعني -للأسف الشديد- أنها غير قادرة على الفعل، وغير قادرة على التحرك بطريقة صحيحة في ظل هذه الأزمات، حتى الأزمات الإنسانية للأسف هذه المؤسسات غير قادرة على الفعل فيها، منظمة التعاون الإسلامي قريبة من هذا قريبة من جامعة الدول العربية وبالتالي لا أظن أنه يعوَّل على هذه المؤسسات أو المنظمات الدولية لا بقليل ولا بكثير.
** بصفتكم رئيسًا لرابطة الصحافة الإسلامية ما الفعاليات التي قمتم بها عبر الرابطة بخصوص دعم قضية الشعب المالي ؟
- طبعًا دورنا هو الدور الإعلامي، وكما قلت لك قبل قليل بأنّ بعض إعلامنا العربي لا يمثلنا ولا يتحدث بألسنتنا ولا يعبر عن نبض الشارع العربي والإسلامي، وأنا أعتقد أن دور رابطة الصحافة الإسلامية من خلال المؤسسات الأعضاء ودور بقية المؤسسات الإعلامية والإسلامية هو كشف طبيعة الصراع وخلفياته العقدية والفكرية والثقافية والمساهمة في إحياء الوعي في أوساط الناس.
** عودة إلى موضوع الربيع العربي، كيف كان أثر هذا الربيع على جهود إيران لنشر التشيع في المنطقة؟ هل حدَّ الربيع العربي من ذلك أم أن إيران وجدت فرصة سانحة للمزيد من هذه الجهود؟
- أهم خصائص المشروع الإيراني أن وراءه دولة ذات عقيدة ومبدأ، تنصر هذا المبدأ وتنافح من أجله وتنطلق من أجل تحقيقه، وكان مشروع تصدير الثورة أحد معالم المشروع الإيراني في المرحلة السابقة فلما جاءت رياح الربيع العربي وجدتها فرصة كبيرة جدًا لمزيد من الانطلاق في البلاد العربية، ولهذا منذ أن قامت الثورة التونسية وتبعتها بعد ذلك بقية الثورات العربية، تحدث المرشد الأعلى للثورة وبدأ يشجع مثل هذه الثورات ويطالب بتمكين الشعوب ويقفز على مطالب الجماهير، ولهذا دخلت إيران بقوة في أول الأمر في تونس وفي مصر وغيرها ثم جاءت الثورة السورية وانكشفت حقيقة الشعارات الطائفية الإيرانية وافتُضحت أمام الشعوب، فقد كانت إيران التي تنادي بحقوق الشعوب وإذا بها هي التي تقمع الشعب السوري، وهي التي تمارس الآن الإبادة الجماعية في سوريا هي التي تمارس القتل على الهوية في سوريا وفي العراق من قبل ذلك، فهذا لا شك بأنه أزال أجزاء كبيرة جدًا من اللبس الذي كانت تتستر به إيران قبل الثورات العربية واغترت كثير من الجموع العربية بشعارات إيران وشعارات حزب الله وغير ذلك من مواجهة الكيان الصهيوني، لكن بعد الثورة السورية افتضحت هذه الشعارات ولهذا أنا أعتقد بأن حروب إيران في الشارع العربي الآن ولله الحمد قليلة جدًا.
لكن يبقى أنّ إيران دولة ذات مشروع، ولهذا في الوقت الذي تشهد إيران انكسار مشروعها في سوريا نجدها تحاول أن تجد بيئة جديدة مشروع جديد في اليمن بحيث أن تتحول الحركة الحوثية هي حاضنة للمشروع الإيراني في المنطقة كبديل محتمل لانحسار دور المشروع الإيراني في حزب الله، وفي نفس الوقت أيضًا الحاضنة للمشروع الإيراني في سوريا الآن تحاول إيران أن توجد حاضنة جديدة في العراق بحيث ترسخ من أقدامها في العراق، ولن أجزم أن إيران لن تستسلم ولن تقف ولن تبقى متفرجة في ظل هذه التطورات المتسارعة في المنطقة وإنما سوف تجد البدائل وسوف تتحرك وسوف تشتري الأنصار، فإيران دولة ذات مشروع، وبالتالي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء انحسار مشروعها في المنطقة.
المصدر: موقع المسلم.
التعليقات
إرسال تعليقك