التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يعتبر السلطان أحمد الثالث من الشخصيات المهمة في التاريخ العثماني. حيث أسهم في عدة أمور كان لها آثار مستديمة في الدولة العثمانية.
السلطان أحمد الثالث (1703-1730م)
استلم السلطان أحمد الثالث الحكم في 22 أغسطس عام 1703[1]، وهو في الثلاثين من عمره[2]. يعتبر هذا السلطان من الشخصيات المهمة في التاريخ العثماني. أسهم في عدة أمور، على المستويين الداخلي والخارجي، كان لها آثار مستديمة في الدولة العثمانية. على الرغم من أنه أقل من أخيه المخلوع مصطفى الثاني في الكفاءة والخبرة فإنه كان متحمِّسًا للإصلاح، حريصًا على مصلحة الدولة.
لم يكن قائدًا عسكريًّا كأخيه، ولكنه لم يتردد في الأمر بالقتال عندما كانت تقتضي الضرورة. حققت الدولة في زمانه انتصارات مهمة، لكنها هُزِمَت كذلك. اكتسب أراضٍ جديدة، وفقد غيرها، وهذه هي طبيعة قرون الثبات. أهم ما يميزه عن أقرانه من السلاطين العثمانيين في هذه الحقبة هو اهتمامه -إلى جوار السياسة والحروب- بالفنون، والآداب، والعلوم، ومظاهر الحضارة الأخرى. في الواقع كان الاهتمام بهذا النوع من المجالات أمرًا نادرًا في الدولة العثمانية عمومًا، وباستثناء الفاتح والقانوني، يمكن اعتبار أحمد الثالث أكثر السلاطين اهتمامًا بالحضارة منذ نشأة الدولة العثمانية. امتد حكمه لفترة سبعةٍ وعشرين عامًا، وهي من الفترات الناجحة في التاريخ العثماني،ويمكنني تقسيمها إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى والمرحلة الثانية والمرحلة الثالثة، وتتميز كل واحدة منها بسمات خاصة: وسوف نتكلم في هذا المقال على المرحلة الأولى.
المرحلة الأولى: الاستقرار والبناء الداخلي (1703-1710م)
استلم السلطان أحمد الثالث الحكم في ظروف غير طبيعية. كانت البلاد تعاني من تمرد عسكري يشارك فيه طوائف مختلفة من الشعب، كما كانت تعاني من أزمة اقتصادية شديدة. كان من المفترض أن تهدأ الأمور عند تنازل السلطان مصطفى الثاني عن الحكم لأخيه، خاصة أن المتمردين قتلوا شيخ الإسلام فيض الله أفندي، فتحقق لهم بذلك المطلبان الرئيسان اللذان من أجلهما قام التمرد؛ عزل السلطان، وعزل شيخ الإسلام، لكن كان من الواضح أن هناك مطالب أخرى غير معلنة للعامة، وهي مطالب مالية للعسكريين في المقام الأول.
هدأت العامة لكن صخب الإنكشارية وبعض فرق الجيش كان مستمرًا. كان المطلوب هو دفع الأجور المتأخرة بالإضافة إلى «إتاوة» الجلوس على العرش للسلطان الجديد! إزاء الأزمة الكبيرة المتفاقمة، مع نضوب الخزينة العامة للدولة، اضطر السلطان أحمد الثالث إلى الأمر بأخذ كثير من المشغولات والتحف الفضية الموجودة في القصر الحاكم، والمتراكمة منذ عقود وقرون، فتمَّ إذابتها وتحويلها إلى عملات يمكن إرضاء الجنود بها! هدأ التمرد بعد ذلك[3]!
انشغل السلطان أحمد الثالث بأمور دولته الداخلية بعد ذلك، وساعده على هدوء الدولة موت أخيه السلطان السابق مصطفى الثاني فجأة بعد أربعة شهور فقط من عزله في 29 ديسمبر 1703م[4]، مما جعل العرش آمنًا؛ إذ لم يكن هناك منافسون عليه. لم تكن هناك أي شبهة مثارة في مسألة موت مصطفى الثاني، على الرغم من موته شابًّا لم يبلغ الأربعين من عمره[5].
اهتم السلطان أحمد الثالث بالاقتصاد، وبحث عن الشخصيات الجديرة بالقيادة، سواء في الصدارة العظمى، أم في الوزارة، أم حكام الولايات والمدن[6]، كما اهتم كثيرًا بالجيش والأسطول، وزاد من عدد أفرادهما، واطمئن على تحديث السلاح قدر المستطاع[7].
كانت الجبهات العثمانية الخارجية كلها هادئة، وهذا أعطاه فرصة كبيرة للبناء والوصول إلى الاستقرار، وهذا جعل الدولة جاهزة لمواجهة الأزمات الطارئة إذا حدثت. هذا الهدوء هو من آثار المعاهدة التي كرهها الناس، وهي معاهدة كارلوڤيتز، التي أدت إلى استقرار الجبهات العسكرية لأكثر من عشر سنين، فتمكن العثمانيون حينئذ من استعادة توازنهم. ساعد على هذا الهدوء انشغال أوروبا بعدة معارك كبرى؛ كان أهمها حرب الشمال العظمى، وحرب الخلافة الإسبانية.
كان الوضع هادئًا كذلك في الولايات العربية، وإن كان هناك تصعيد لم يُتبيَّن خطورته في ذلك الوقت، وهو سيطرة حسين بن علي على الحكم في تونس، وذلك دون إعلان استقلاله عن الدولة العثمانية. وُلِدَ حسين بن علي في تونس من أب تركي (من جزيرة كريت) من الإنكشارية وأمٍّ تونسية، فنشأ نشأة تونسية صِرفة[8]. سيتوارث أبناء هذا الرجل الحكم في تونس إلى عام 1881م (بل سيكملون التواجد تحت ظل الاحتلال الفرنسي إلى عام 1957م[9])، فيما يُعْرَف في التاريخ بالدولة الحُسَينية[10]. كان هذا مظهرًا لعدم قدرة الدولة على بسط سيطرتها الفعلية على الولايات البعيدة عنها. كان الوضع في الجزائر مشابهًا لذلك.
بينما الوضع كذلك حدث تصعيد مفاجئ لم يكن يتوقعه أحد، وسيكون شرارة للحرب بين العثمانيين والروس، لتدخل الدولة في المرحلة الثانية من مراحل حكم السلطان أحمد الثالث[11].
[1] مانتران، روبير: الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر: الضغط الأوروبي، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م (ج). صفحة 1/414.
[2] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م. صفحة 218.
[3] Aksan, Virginia H.: Ottoman Wars, 1700-1870: An Empire Besieged, Routledge, New York, USA, 2013., p. 52.
[4] Somel, Selçuk Akşin: The A to Z of the Ottoman Empire, the Scarecrow press, Lanham, MD, USA, 2010., p. li.
[5] Sakaoğlu, Necdet: Bu Mülkün Sultanları: 36 Osmanlı Padişahi (in Turkish), Alfa Yayıncılık, İstanbul, Turkey, 2015., p. 294.
[6] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 الصفحات 1/594، 595.
[7] Sakaoğlu, Necdet: Bu Mülkün Sultanları: 36 Osmanlı Padişahi (in Turkish), Alfa Yayıncılık, İstanbul, Turkey, 2015., p. 297.
[8] Abun-Nasr, Jamil M.: A History of the Maghrib in the Islamic period, Cambridge University Press, New York, USA, 1987., p. 173.
[9] Bosworth, Clifford Edmund: New Islamic Dynasties: A Chronological and Genealogical Manual, Edinburgh University Press, Edinburgh, Scotland, 2014., p. 15.
[10] فنطر، محمد حسين؛ ومحفوظ، فوزي؛ والأرقش، عبد الحميد: الحضارة الإسلامية في تونس، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط-المغرب، 1997م. الصفحات 62-76.
[11] كتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 800- 802.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك