التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
استلم السلطان محمود الأول الحكم في ظروفٍ شديدةِ التوتر، وقد قسمت الفترة التي حكمها إلى ثلاث مراحل.
السلطان محمود الأول (1730-1754م)
استلم السلطان محمود الأول الحكم في ظروفٍ شديدةِ التوتر، حيث برز المتمرد باترونا خليل كقائد فعلي للدولة، ومعه الطغمة التي قامت بالانقلاب العسكري، وكانت الأمور سريعة للغاية، ولم يستوعب حكام الولايات، أو كبار قادة الجيش، ما حدث.
كل هذا والتهديد الإيراني للحدود كبير، والمخاوف من غزو مرتقب لچورچيا وأرمينيا، أو حتى للأناضول نفسه. يمكن من أجل الدراسة الأكاديمية، وحسن الاستيعاب للفترة الطويلة التي حكمها هذا السلطان أن نقسِّم هذه الفترة إلى ثلاث مراحل متساوية زمنيًّا تقريبًا؛ المرحلة الأولى، وهي تسع سنوات، من 1730م إلى 1739م، وهي مرحلة صاخبة جدًّا، حاربت فيها الدولة العثمانية ثلاث دولٍ دون توقف؛ إيران، وروسيا، والنمسا، والمرحلة الثانية، وهي سبع سنوات، من 1739م إلى 1746م، وهي مرحلة هادئة نسبيًّا حاربت فيها الدولةُ العثمانيةُ إيرانَ فقط، و المرحلة الثالثة والأخيرة ثماني سنوات، من 1746م إلى 1754م، وكانت هادئة تمامًا، ولم تجرِ فيها حروبٌ مطلقًا. وفي هذه المقال سوف نتحدث عن المرحلة الأولى.
المرحلة الأولى: حروب مع إيران، وروسيا، والنمسا (1730-1739م)
كان السلطان محمود الأول عاقلًا وحليمًا. أدرك أن المقاليد بيد باترونا خليل ورفقائه في هذه الفترة فلم يشأ أن يتهور فتُقْلَب الأمور عليه وعلى الدولة، ولذلك هادن السلطانُ هذا المتمرد، وأشركه في الديوان، ولكنه كان ينتظر الفرصة المواتية للتخلص منه[1]. لهذا أعرض السلطان عن الحديث في مسألة التمرد، وتعامل مع الأمور بشكل طبيعي لعدة أسابيع حتى اطمئن باترونا خليل إلى نجاح تمرده. كان قادة الإنكشارية يحقدون على باترونا خليل لبلوغه مكانة لا يستحقها، ولكونه ضغط على السلطان لعزل رموز كبرى منهم[2].
تمَّ ترتيب سريٌّ كبير للتخلص من هذا الكابوس، وتعاون في هذا العمل السلطان محمود الأول، والصدر الأعظم، وخان القرم، وقائد البحرية السابق، بالإضافة إلى عدد من قادة الإنكشارية[3]. في 25 نوفمبر 1730م، وفي أثناء اجتماع للديوان، وفي وجود السلطان، قامت فرقة من الجيش باغتيال باترونا خليل، واثنين من كبار مساعديه، وقامت عدة فرق في وقت متزامن بالقبض على أعوانه في المدينة، والذين تراوحت أعدادهم بين عشرة آلاف وثلاثين ألفًا، وتمَّ إعدام عدد كبير منهم، وبذلك اجتُثَّ التمرد من جذوره. ظلَّت المتابعة لبقايا المشتبه فيهم في إسطنبول لمدة عامين تقريبًا، وتم إجلاء عدد كبير من الألبان من العاصمة[4]. أدَّت هذه الإجراءات الصارمة إلى خمود الفتنة تمامًا، وظلَّ الحال هادئًا على المستوى الداخلي بقية فترة حكم السلطان محمود الأول كلها.
بعد مقتل باترونا خليل وأعوانه وجَّهت الدولة اهتمامها إلى المصيبة الكبرى التي تنتظرها في الشرق، وهي مصيبة النمو المفاجئ لإيران تحت قيادة العسكري البارز نادر الإفشاري، وبذلك قامت الحرب الإيرانية العثمانية.
الحرب الإيرانية العثمانية (1730-1736م):
استغلَّت الدولة العثمانية الشهور الأولى الشتوية من عام 1731م لإعداد جيش مناسب لحرب الإيرانيين، ثم خدمتها الظروف السياسية خدمة كبيرة في صيف العام نفسه بتوفير فرصة حرب جيدة! لقد هزم الأفغان أخا نادر الإفشاري في مدينة مشهد في إقليم خراسان أقصى شرق إيران هزيمة كبيرة، فاضطر نادر إلى أن يذهب لنجدة أخيه بالجيش الرئيس للدولة الصفوية[5]، وستستغرق حملته هذه أكثر من سنة! هذا أدى إلى فائدتين للعثمانيين؛ الأولى أن نادر أوقف كل أعماله على الجبهة العثمانية[6] معطيًا إياهم فرصة لالتقاط الأنفاس، والثانية أن الشاه الصفوي طهماسب الثاني شعر أن الأضواء كلها سُلِّطَت على نادر الإفشاري فأراد أن يقوم هو منفردًا بعمل عسكري كبير يعيد له هيبته كشاه للصفويين[7]، ورئيس لنادر الإفشاري وجيشه، ولمـَّا كانت خبرته قليلة فقد أوقع نفسه ودولته في أزمة كبيرة!
قرَّر طهماسب الثاني غزو أرمينيا لاستعادتها من الدولة العثمانية، ولعله كان ينوي بعدها أن يغزو چورچيا كذلك، فيُعيد -منفردًا، دون نادر الإفشاري- إقليمين مهمين للصفويين. وصلت هذه الأخبار للدولة العثمانية فكانت فرصة لملاقاة الصفويين دون قائدهم القدير نادر، ودون الجيش الرئيس. أخرج العثمانيون جيشين لهذه المهمة؛ جيش من إسطنبول عليه قائد موهوب هو حكيم أوغلو باشا يتجه إلى أرمينيا حيث طهماسب يحاول ضمَّها، وجيش من بغداد عليه واليها القوي أحمد باشا يتجه إلى غرب إيران الخالية تمامًا من الجيوش الإيرانية الموزعة الآن بين خراسان مع نادر، وأرمينيا مع طهماسب. حقق الجيشان العثمانيان، بدايةً من يوليو 1731م، وقبل نهاية السنة، نجاحًا باهرًا! تمكن أحمد باشا من السيطرة على أقاليم إيران الغربية، فأخذ كرمنشاه، وهمدان، وفي الوقت نفسه انتصر حكيم أوغلو باشا على طهماسب في أرمينيا، واستردَّ كلَّ ما كان في يد العثمانيين سابقًا من إقليم أذربيچان، بل واستردَّ كذلك مدينتي أورمية وتبريز المهمتين في إيران، وقُطِع طريق العودة بذلك على الشاه، ولم يَدْرِ ماذا يفعل[8][9][10]!
نظرًا إلى عدم قدرة نادر الإفشاري على ترك خراسان، اضطر الشاه إلى طلب السلام مع العثمانيين الذين وافقوا سريعًا لضمان التنفيذ وهم في موقف القوة قبل عودة القائد نادر[11]. بعد مفاوضات سريعة بين أحمد باشا والشاه الصفوي وُقَّعت معاهدة عُرِفَت بمعاهدة أحمد باشا، وذلك في 10 يناير عام 1732[12]، وفيها وافق الشاه على إعادة كل الأراضي التي أخذها نادر الإفشاري العام المنصرم من الدولة العثمانية باستثناء تبريز[13]، وبذلك مسحت هذه المعاهدة معظم ما حققه قائدهم الفذ نادر الإفشاري!
كان النصر العثماني كبيرًا لكنه كان مؤقتًا! لقد عاد نادر الإفشاري غاضبًا إلى أصفهان في أغسطس 1732م[14] بعد إسقاطه لمدينة مشهد[15]، ولم يكمل حملته التي كان ينوي القيام بها في بلاد الأفغان، وفي ثورته العارمة لضياع كل ما أنجزه في عام 1730م ضد العثمانيين، خلع الشاه طهماسب الثاني بالقوة، ووضع على عرش الدولة ابنه الرضيع عباس الثالث[16]، وكان يبلغ من العمر ثمانية شهور فقط[17]! هذا يعني أن الحاكم الفعلي للبلاد صار القائد العسكري للجيش نادر الإفشاري[18]! ومن فوره أعلن نادر عدم موافقته على المعاهدة المبرمة مع العثمانيين[19]، وبدأ مباشرة في تجهيز جيش لحرب الدولة العثمانية مجدَّدًا.
اختار نادر أن يكون الصدام على أرض العراق، وتحديدًا في بغداد. كان نادر يدرك الأهمية الكبرى لبغداد عند العثمانيين، ويريد أن يأخذها ليقايض بها على چورچيا وأرمينيا، كما أنه يعلم أن القوة التي بها كبيرة، وإصابتها ستؤدي إلى نتائج مهمة، فضلًا عن غضبه من واليها القوي الذي أوقع بهم الهزيمة في ولايات إيران الغربية، والذي عقد المعاهدة المهينة للصفويين. لم ينتظر نادر الإفشاري مرور الشتاء، بل توجه فور إعداد الجيش إلى بغداد، ووصلها وبدأ حصارها في 12 يناير 1733م[20].
كان الجيش الصفوي يزيد على مائة ألف مقاتل[21]، بالإضافة إلى أعداد غفيرة من العامة والفلاحين الإيرانيين، وصلت بهم بعض التقديرات إلى مائتي ألف غير الجيش، مما يجعل إجمالي الجيش الإيراني حوالي ثلاثمائة ألف[22]!، لهذا لم يستطع أحمد باشا الخروج من المدينة، ولكنه أبدى وجيشه مقاومة بطولية لمنع الغزو المرتقب[23][24]. بنى الصفويون في خلال هذا الحصار حوالي ألفين وسبعمائة برج للحصار[25]، ولكن صمدت المدينة. جاء جيش الإنقاذ من إسطنبول في يوليو 1733[26]، أي بعد سبعة شهور من الحصار، وهذا في الواقع وصول متأخر، ولكنه كان قويًّا. كان الجيش العثماني يضم ثمانين ألف مقاتل تحت قيادة القائد القدير طوبال عثمان باشا Topal Osman Pasha[27].
كان طوبال عثمان باشا صدرًا أعظم أسبق تولى الصدارة لمدة ستة شهور من سبتمبر 1731م إلى مارس 1732م، وعلى الرغم من أدائه الجيد في أثناء فترة ولايته، وتحسينه للاقتصاد، وتخفيضه للأسعار، وتدعيمه لتسليح الجيش، وتقويته للعلاقات العثمانية الفرنسية، فإنه عُزِل دون سببٍ معْلَن، ويبدو أن السلطان محمود الأول كان حريصًا على كثرة تغيير المسئولين بشكل عام ليضمن عدم تضخم سلطة أحدهم[28]. من الجدير بالذكر أن نعلم أن كلمة طوبال في التركية، وهي لقب عثمان باشا، تعني الأعرج[29]، وكان هذا العسكري القدير، والسياسي البارع، أعرج! حيث أصيب قديمًا في ساقه إصابة أعاقته بصورة دائمة[30]، ومع ذلك لم تمنعه إعاقته من التفوُّق البارز في قيادته للجيوش في أشدِّ الميادين، ولا في إدارته للدولة في أصعب الظروف. لقد كان هذا الرجل شعلة من النشاط، كما كان يتميَّز بحميَّة إسلامية واضحة.
استُدْعِيَ طوبال باشا لهذه المهمة العسكرية الخطرة، وعلى الرغم من أنه كان في السبعين من عمره[31]، فإنه كان يتحرك كشابٍ في العشرين! عَلِم نادر الإفشاري بقدوم الجيش العثماني، فترك اثني عشر ألف جندي لمواصلة حصار بغداد[32]، وتوجه ببقية الجيش لملاقاته شمالًا قبل وصوله لبغداد لئلا يُحْصَر بينه وبين قوات أحمد باشا.
التقى الجيشان في سامراء على بعد مائة كيلو متر شمال بغداد حيث دارت أكثر الحروب دموية في تاريخ نادر الإفشاري[33]. بدأت المعركة في الصباح الباكر ليوم 19 يوليو 1733م[34]، وكان التفوق في بدايتها للصفويين[35]، بل سيطروا على عدة مدافع للعثمانيين، وبدا أن الأمر قد يتجه لكارثة عسكرية، ومع ذلك كان طوبال باشا رابط الجأش، واستطاع بعد استدعاء عشرين ألفًا من قوات الاحتياط أن يقلب الوضع لصالحه[36]، ولم تأتِ الظهيرة إلا والتفوق لصالح العثمانيين. ظهرت -أيضًا- في هذه الموقعة البراعة العسكرية لطوبال باشا في اختياره لمواقعه الحربية التي جعلت جنوده يسيطرون على مياه دجلة القريبة بينما حيل بين الصفويين والماء، آخذين في الاعتبار أن الحرب تدور في أشدِّ أوقات السنة حرارة، كما أن المواقع التي اختارها طوبال باشا كانت تجعل اتجاه الريح في وجوه الجنود الإيرانيين مما أسهم في التأثير سلبًا عليهم[37]. لم يقبل طرفٌ في المعركة بالركون بل استمر القتال في أجواء شديدة العنف[38]، وفي حملة شديدة للجيش العثماني سقط نادر الإفشاري من على جواده، وسرت إشاعة في جيشه -على خلاف الحقيقة- أنه قُتِل! تحلَّل الجيش الصفوي عند ذلك، وفرَّ في كل اتجاه[39]، وانتصر العثمانيون انتصارًا واضحًا. فَقَدَ الصفويون في المعركة ثلاثين ألف جندي[40]، بينما فَقَد العثمانيون عشرين ألفًا[41]. هذه هي الموقعة الوحيدة التي هُزِمَ فيها نادر الإفشاري في كل تاريخه العسكري[42]، والممتد من عام 1726م إلى عام 1747م (إحدى وعشرين سنة)! كانت أعظم نتائج المعركة رفع الحصار عن بغداد فورًا[43]. أرى أنه لو سقطت بغداد في يد نادر لما أمكن تحريرها قبل عقود!
كان النصر كبيرًا، وتفرَّق جيش الصفويين في أماكن عديدة، ثم انطلقوا هاربين إلى إيران[44]، بينما توجه طوبال عثمان باشا بجيشه إلى كركوك[45] شمالًا (مائة وأربعين كيلو متر من سامراء). لم يتوقَّع أحدٌ قط عودةً قريبةً لنادر الإفشاري؛ نظرًا إلى الهزيمة الثقيلة التي أصابته، ونظرًا -أيضًا- إلى اقتراب الشتاء، ولكن هذه الظنون، مع هذا القائد، لم تكن في محلها! تمكَّن نادر الإفشاري من جمع جيشه مرة أخرى في غضون ثلاثة شهور فقط، ورجع مسرعًا إلى العراق ليباغت طوبال باشا وجيشه في كركوك[46]! عَوَّض نادر الإفشاري نقص جيشه، وأتى مرة أخرى بمائة ألف مقاتل، في الوقت الذي كانت قد وصلت تعزيزات للجيش العثماني جعلته هو الآخر في نفس عدد الجيش الصفوي[47]. دارت موقعة مهولة بين الطرفين على مدار ثلاثة أيام؛ من 24 إلى 26 أكتوبر 1733م، لكن في هذه المرة كانت الغلبة لنادر الإفشاري[48]. أدرك طوبال باشا أن الدائرة تدور على جيشه، ونصحه بعضهم بالانسحاب إلى سامراء للنجاة على الأقل بنفسه، لكن الشيخ الكبير أبى، واخترق الصفوف مع فرقة من جيشه آملًا في تعويض الخسارة! تَلَقَّى طوبال باشا طلقتين قاتلتين فسقط من فوق جواده شهيدًا[49]، وأسرع أحد الجنود الصفويين بقطع رأسه، وأوصلها إلى نادر الإفشاري[50]!
ينبغي أن يُتَذَكَّر هذا الاسم جيدًّا: طوبال عثمان باشا الشهيد!
تفرَّق الجيش العثماني بعد استشهاد قائده. كانت الهزيمة كبيرة. فَقَد العثمانيون عشرين ألف شهيد[51]، بينما لم يفقد الصفويون في هذه المعركة عددًا ذا بال. كان ردُّ فعل نادر الإفشاري مع طوبال باشا عجيبًا! لقد أمر بجمع الرأس المقطوع مع الجسد، وأعاده في مراسم تشريفية عظيمة إلى بغداد[52] ليُدْفَن هناك بمعرفة العثمانيين، تقديرًا للرجل الوحيد الذي انتصر عليه في كل حياته! وعلى الرغم من توقع الجميع لبغداد أن تسقط الآن في يد الصفويين، فإن انقلابًا داخليًّا في إقليمي فارس وخوزستان أرغم نادر على العودة بجيشه فورًا إلى إيران، فحُفِظَت بغداد[53]، وكأن الله قد أراد أن يحقق لطوبال باشا هدفه حتى بعد مماته!
انتهى نادر الإفشاري من السيطرة على الانقلاب في بلاده سريعًا[54]، وفي عامي 1734، و1735، قام بحملة عسكرية ناجحة في القوقاز Caucasus[55]، وهي الأرض الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتشمل چورچيا أساسًا، وأجزاء من أرمينيا، وأذربيچان، فسيطر عليه بالكامل، وبذلك لم يكتفِ باسترداد ما أخذه العثمانيون منذ عام 1723م، بل تجاوز ذلك إلى أخذ غرب چورچيا، وغرب أرمينيا[56]، وهما في أيدي العثمانيين -كما مرَّ بنا في فصل سابق- منذ معاهدة قصر شيرين عام 1639م أيام مراد الرابع!
حقق نادر الإفشاري نجاحًا آخر في هذه الفترة؛ إذ عقد مع الروس معاهدة صلح في 10 مارس 1735م[57]، عُرِفَت بمعاهدة جانچا Ganja (مدينة في أذربيچان)، استرد بمقتضاها كل الأراضي التي كان بطرس الأكبر قد احتلها قبل ذلك، ويشمل ذلك المدن المهمة في أذربيچان كباكو، ودربنت[58]. ما الذي دفع الروس إلى إرجاع كل شيء إلى إيران دون قتال؟! لم يكن واضحًا للسياسيين في العالم آنذاك سِرُّ هذا الوئام الروسي-الإيراني، مع أن الحرب كانت دائرة على أشدها بينهم منذ سنوات، ولكن الأحداث التاريخية القريبة فسَّرت هذا التصالح! إن لكل طرف من المتعاهدَين أجندة خاصة تتطلب سلامًا على الجبهة الروسية الإيرانية؛ فالروس يريدون الغدر بالدولة العثمانية، ونقض معاهدة إسطنبول المبرمة عام 1724م، والملْزِمة بالسلم بينهما، وذلك لإعادة الاستيلاء على ميناء آزوڤ، أما نادر الإفشاري فله طموحات في الهند الغنية (في الجبهة الشرقية لإيران)، ويريد أن يتفرَّغ لفتحها، ومن ثم يريد تأمينًا لجبهته الشمالية مع الروس، وسيسعى كذلك إلى سلام مع العثمانيين ليتفرَّغ لمشروعه الهندي الكبير.
كانت العلاقة معقَّدة جدًّا آنذاك في هذه المنطقة من العالم. فالكراهية شديدة بين القوى الثلاث التي تتصارع على السيادة فيها؛ الدولة العثمانية، وإيران، وروسيا، ومع ذلك يجلس كل طرفين في مرحلة ما ليتفقا على الطرف الثالث، ثم تتبدل الاتفاقيات بسهولة خلال أعوام قليلة! منذ إحدى عشرة سنةً (1724م) جلس الروس مع العثمانيِّين ليتَّفقا على تقسيم إيران، والآن يجلس الروس مع الإيرانيين للاتفاق على الدولة العثمانية، وبعد قليل سيجلس العثمانيون مع الإيرانيين لتسوية المسألة بينهما، ثم سرعان ما يُهْدَم كلُّ ذلك عند أي تغير طفيف في الأحداث!
أمر آخر مهم يفسِّر الأحداث في هذه المرحلة، وهو معرفة الهدف الاستراتيجي لكل طرف من هذه الأطراف الثلاثة المتصارعة. هدف الروس الاستراتيجي الأول في هذه المرحلة هو الوصول للبحر الأسود، ومن أجله ستتبنى الدولة سياسات كثيرة تصل إلى الحرب المباشرة مع الدولة العثمانية، كما تصل إلى التصالح مع المسلمين في إيران، وإلى التحالف مع النمساويين الكاثوليك، وغير ذلك من سياسات تبدو غريبة على التاريخ والواقع الروسي الذي يحمل عداءً كبيرًا لكلا الفريقين؛ المسلمين، والكاثوليك. أما هدف الإيرانيين، في ظل وجود نادر الإفشاري، فهو زعامة العالم الإسلامي بدلًا من الدولة العثمانية[59]، وهذا يتطلب جهدًا خارقًا، وخطة عمل واسعة النطاق. تشمل هذه الخطة توسيع مساحة دولتهم على حساب الدول الإسلامية المحيطة، وهذا يشمل دول أفغانستان في الشرق، والهند المحكومة بالمغول المسلمين في الجنوب الشرقي، والعراق، والأناضول، التابعتين للدولة العثمانية، في الغرب، والشمال الغربي.
هذا يتطلب جهدًا عسكريًّا عظيمًا بلا شك. ولكن كانت هناك مشكلة أكبر في طريق زعامة العالم الإسلامي تتطلب جهدًا أعظم من جهد الجيوش، وهي مسألة الاختلاف العقدي والفقهي بين إيران ومعظم مسلمي الأرض؛ فالدولة الصفوية تتبنى بقوة المذهب الشيعي الاثنا عشري، وبصورة متطرفة للغاية، أما العالم الإسلامي فمن شرقه إلى غربه سُنِّيٌّ بالإجماع. نعم هناك مذاهب أربعة يتبعونها، لكنها في النهاية مذاهب سُنيَّة خالصة، ولن يقبل المسلمون في العالم باتباع طريقة الدولة الصفوية.
سيحاول نادر الإفشاري قريبًا حلَّ هذه المعضلة عن طريق إعلان المذهب الجعفري مذهبًا دينيًّا لإيران[60]، وهو مذهب شيعي اثنا عشري كذلك، ولكنه أقل تطرفًا، كما سيحاول أن يُظهر الرفق النسبي بالسُّنَّة ليغيِّر الصورة الدموية التي انطبعت في أذهان المسلمين عن الشيعة. بعضهم يفترض أن نادر الإفشاري كان سُنِّيًّا[61] في الباطن، ويظهر الشيعية، لأن جيشه، ورجال دولته، ومعظم شعبه، من الشيعة، ولو أعلن سُنِّيَّته فلن يتمكن من قيادة الدولة، ولكن تبقى هذه افتراضات لا دليل عليها، لأن مظهر الدولة الرسمي كان شيعيًّا بصورة كاملة.
تبقى الدولة العثمانية في هذا التحليل! ما هدفها الاستراتيجي؟ الواقع أن الدولة العثمانية كانت لا تهدف في هذه الحقبة التاريخية إلا في العيش آمنة في حدودها، دون أن تتعرَّض لأحدٍ، أو يتعرَّض لها أحدٌ، بالأذى، وهذا في الواقع مبدأ نبيل، لكنه لم يكن واقعيًّا، على الأقل في هذه المرحلة التاريخية التي تتوسع فيها الإمبراطوريات على حساب البلاد المجاورة الضعيفة دون تردد. المشكلة الأكبر أن الدولة العثمانية لم تكن تأخذ هذا الهدف النبيل عن قناعة، لأنها من البداية دولة عسكرية تعتمد على التوسع المتدرج في الأراضي والدول المحيطة بها، لكنها تبنَّت هذا الهدف الآن بسبب الضعف النسبي الذي أصابها، ففقدت «الطموح» في مقارعة الإمبراطوريات الكبرى في العالم، ورضيت منهم بالمسالمة «اللحظية» التي تتطلبها ظروفهم، ولذلك نجدها كلما سالمت قومًا غدروا بها، ومَن أَمِن العقوبة أساء الأدب! فالكل ينقضون عهودهم معها، وسينقضونها بصورة أكبر عندما يزداد ضعفها في المراحل القادمة.
تطور الأمر بصورة أكبر وأوضح في عام 1736م، ليكشف خططَ كلِّ فريقٍ للوصول إلى هدفه الاستراتيجي. في إيران، وفي 8 مارس 1736م[62]، خلع نادر الإفشاري الطفلَ عباس الثالث الصفوي، وأعلن نفسه، وللمرة الأولى شاهًا على إيران وملحقاتها من الأقطار التابعة[63]، وصار من يومها معروفًا بنادر شاه Nader Shah[64]، وهو الاسم الأشهر له في كتب التاريخ. هذه بداية تأسيس الدولة الإفشارية[65]، التي ستستمر ستِّين سنة (من 1736م إلى 1796م)، وستصل في عهد المؤسس نادر شاه إلى أقصى اتساع وصلت إليه إمبراطورية إيرانية منذ زمن الإمبراطورية الفارسية الساسانية[66]! هذه -أيضًا- هي النهاية الرسمية للسلالة الصفوية كحكَّام لإيران، بعد أن استمرت أكثر من قرنين كاملين.
لم يكن ذهاب الصفويين يعني انتهاء عداء الإيرانيين الشيعة للدولة العثمانية السنِّيَّة؛ إنما كان يعني فقط تبدُّل حامل راية العداء! الآن يريد نادر شاه استكمال مشروعه الاستراتيجي في زعامة العالم الإسلامي، والتوجه إلى ضمِّ أفغانستان والهند المسلمتين، ولكن لن يتمَّ هذا إلا بتسكين الجبهة العثمانية. كيف سيتم هذا؟ هنا يأتي دور روسيا! في مايو 1736[67]، وبعد شهرين فقط من إعلان قيام الدولة الإفشارية في إيران، تقدَّمت القوات الروسية فجأة في اتجاه القرم للقيام بعمليات عسكرية ضد الدولة العثمانية. فوجئ العثمانيون بالهجوم الغادر، وصار صعبًا عليهم تجهيز جيوش للوقوف على جبهتين قويتين؛ الروس، والإفشاريين. هنا تقدَّم نادر شاه بطلب التفاوض الدبلوماسي مع الدولة العثمانية[68]، فقوبل الطلب بالترحيب نظرًا إلى حساسية الموقف.
عُقِدَت معاهدة الصلح بين الفريقين في 24 سبتمبر 1736م، وعرفت بمعاهدة إسطنبول[69]. كانت المعاهدة مؤسفة للدولة العثمانية، حيث كانت راغبة بشكل كبير في تسكين جانب نادر شاه للتفرغ للروس، فقبلت بتسليمه كامل القوقاز، والاعتراف به شاهًا على إيران[70]. هكذا اعترفت الدولة العثمانية بملكية الإفشاريين لكامل چورچيا، وأرمينيا، وأذربيچان، علمًا بأن هذه الأقطار كلها كانت في يد نادر شاه منذ 1735م ولكنه كان يريد الاعتراف في مقابل السلام.
هكذا كانت الأمور بين الدولة العثمانية وإيران على مدار قرون ثلاثة؛ منذ نشأة الدولة الصفوية عام 1501، وإلى نهاية القرن الثامن عشر. يتبادل الطرفان الأقطار الضعيفة نفسها التي تفصل بينهما. كانت مع العثمانيين، وأخذها نادر شاه في 1730م، وعادت للعثمانيين في 1731م، ثم أخذها نادر شاه في 1734م و1735م، وعمَّا قليل ستعود للعثمانيين! في الحقيقة لم يكن هناك أي معنى للحروب بين العثمانيين والإيرانيين، وبعد هذا النهر الجاري من الدماء، والسنوات المتعاقبة من الحرب والعداء، ظلت الحدود حتى الآن كما هي قبل أول لحظات الصدام!
عمومًا تفرَّغ العثمانيون الآن لحرب الروس!
الحرب الروسية العثمانية (1736-1739م):
في الفترة بين عامي 1733م و1735م دارت في بولندا حربٌ كبيرة للتنازع على الخلافة بعد موت الملك أوجست الثاني. اشتركت روسيا، وكثير من الأقطار الأوروبية الطموحة في السيطرة على بولندا، في هذه الحرب. على الرغم من خسارة الحزب الذي تنتمي إليه روسيا فإنها خرجت فائزة دبلوماسيًّا بالسيطرة السياسية على مناطق لاتفيا وليتوانيا التابعتين لبولندا، وهذا زاد من قوتها. أرادت روسيا تعزيز ذلك بالوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأسود، وتجددت طموحاتها في احتلال ميناء آزوڤ العثماني، لذا عقدت معاهدة السلام مع نادر شاه في مارس 1736م، ثم اقتحمت الحدود العثمانية في شبه جزيرة القرم في مايو من السنة نفسها[71]!.
كانت خطوات الروس سريعة، فاستغلوا انشغال الدولة العثمانية بإيران، واعتمدوا على اطمئنان العثمانيين تجاههم نتيجة المعاهدة السلمية بينهما، ومن ثم احتلوا عاصمة تتار القرم، وأهم مدنهم، باخشي سراي Bakhchysarai في 17 يونيو 1736م، وبعدها بيومين احتلوا ميناء آزوڤ في 19 يونيو[72]! واجهت القواتُ الروسية مقاومةً عنيفة من تتار القرم، ولكن لم تتمكن القوات العثمانية في المشاركة في الحرب لانشغالها بإيران، وهذا ما دفعها لعقد معاهدة سلام مع نادر شاه بشروطه المجحفة في سبتمبر 1736م.
وعلى الرغم من عدم مشاركة الجيش العثماني الرئيس في مقاومة الروس فإنهم اضطروا للانسحاب، ليس فقط للمقاومة التترية، ولكن لتفشي الطاعون والمجاعة في الجيش[73]! فقد الروس في هذه الحملة ثلاثين ألف جندي، منهم ألفين فقط نتيجة القتال، والبقية من الأمراض[74]! ومع ذلك ظلت آزوڤ في أيديهم، وإن كان الوضع ينذر بكارثة عسكرية لهم عندما يمر الشتاء ويتجهز العثمانيون لحربهم بعد أن أَمِنُوا جانب نادر شاه، خاصة أن هذا الأخير صار مشغولًا تمامًا بالشرق الهندي.
هذا الوضع دفع روسيا إلى التواصل مع النمسا من أجل عمل عسكري مشترك ضد الدولة العثمانية! وجدت روسيا استجابة من الإمبراطور النمساوي تشارلز السادس Charles VI، وعُقِدَت بين الدولتين معاهدة تحالف في 9 يناير 1737م[75]، وبعدها بشهور قليلة قامت الحرب النمساوية العثمانية متزامنة مع الحرب الروسية العثمانية!
الحرب النمساوية-الروسية العثمانية (1737-1739):
ستواجه الدولة العثمانية في هذه الحرب إمبراطوريتين كبيرتين في آن واحد؛ روسيا الطموحة التي تريد أن تثبت أقدامها عالميًّا، خاصة بعد انتصاراتها أول القرن على السويد، ومكاسبها الدبلوماسية الآن من حرب الخلافة البولندية، ونجاحها العام الماضي، 1736م، في احتلال آزوڤ؛ والنمسا الجريحة، التي فقدت في حرب الخلافة البولندية عدة ممتلكات في أوروبا؛ في الأراضي المنخفضة وإيطاليا، وتريد أن تعوِّض خسائرها على حساب الدولة العثمانية مستغلة سوء حالتها بشكل عام في السنوات السبع الماضية، أي منذ ولاية السلطان محمود الأول. إن محصلة الدولة العثمانية حتى الآن بعد حروب الغزو والدفع مع إيران وروسيا تشمل في المجمل خسائرَ أرضٍ تتمثَّل في أقطار أرمينيا، وچورچيا، وأذربيچان، وميناء آزوڤ، فضلًا عن خسائر المال، والسلاح، والرجال. إن المتوقع الآن هو خسائر جديدة قد تكون أفدح، لكن ليس المتوقع دائمًا هو الذي يحدث في عالم السياسة والحرب، فدخول النمسا في الحرب -ويا للعجب- قلب الأوضاع لصالح الدولة العثمانية، وربَّ ضارةٍ نافعة!
اتفقت روسيا والنمسا على الهجوم المتزامن على الدولة العثمانية في شهر يوليو عام 1737م، وسيكون الهجوم من أربع جبهات مختلفة؛ الأولى ستتولاها روسيا وستكون في شبه جزيرة القرم، والثلاث الأخريات ستتولاها النمسا؛ وستكون في صربيا، والبوسنة، والإفلاق[76]. في بداية الأمر حققت القوات الروسية والنمساوية شيئًا من النجاح لكن سرعان ما انقلب الأمر لصالح الدولة العثمانية[77].
احتلَّت روسيا قلعتي أوتشاكوڤ Ochakov، وكاراسوبازار Karasubazar، في القرم، ولكن سرعان ما انتشر الطاعون في جيشهم فضلًا عن المقاومة العنيفة من التتار[78]، فانسحبوا دون نتيجة تُذْكَر اللهم الخسائر! الوضع كان أصعب على القوات النمساوية! على الجبهة الصربية تمكنت النمسا من احتلال نيش في 27 يوليو 1737م، لكن الجيش العثماني استردها في أقل من ثلاثة شهور، في 20 أكتوبر من السنة نفسها. بعدها انطلق الجيش العثماني شمالًا ليحرِّر ڤيدين، وسمندرية[79]، الواقعتين في يد النمسا منذ عام 1717م في أعقاب سقوط بلجراد آنذاك. على الجبهة البوسنية كان الوضع مشابهًا. هاجم جيش النمسا أماكن عديدة في شمال البوسنة لكنه جوبه بمقاومة عنيفة. من الجدير بالذكر أن المقاومة الشعبية من أهل البوسنة المسلمين مثَّلت جانبًا كبيرًا من النجاح في هذه المعارك، بل تذكر كثير من المراجع المشاهد البطولية من المرأة البوسنية في هذه المقاومة[80]. كانت أشهر معارك البوسنة تلك التي وقعت بالقرب من مدينة بانيا لوكا Banja Luka في 4 أغسطس 1737م، وفيها حقق الجيش العثماني بقيادة والي البوسنة حكيم أوغلو باشا، وهو صدر أعظم سابق، وبمساعدة جديَّة من البوشناق البوسنيين، انتصارًا حاسمًا على النمسا، كان له الفضل في حفظ البوسنة، بل تحرير شمال البوسنة المحتل منذ 1717م[81]. شهدت الجبهة الإفلاقية الرومانية النتائج نفسها؛ حيث هُزِم الجيش النمساوي في كل معاركه هناك، وبالتالي انسحب دون أدنى نتيجة[82]. هكذا كان عام 1737 -على عكس المتوقع- سعيدًا على الدولة العثمانية، تعيسًا على النمسا وروسيا!
توقفت العمليات العسكرية في عام 1738م لإصابة مناطق عديدة في أوروبا بالطاعون، لكن تم استئناف القتال في صيف 1739م. كانت النمسا تريد تعويض خسائرها، وحفظ هيبتها، فأرسلت جيشها الرئيس إلى صربيا لتأمين بلجراد. التقى الجيشان العثماني والنمساوي عند مدينة جروكا Grocka على بعد عشرين كيلومترًا فقط من جنوب شرق بلجراد. على مدار يومي 21 و22 يوليو دارت موقعةٌ شرسةٌ بين الطرفين حقَّق فيها الجيش العثماني نصرًا حاسمًا[83].
في 23 يوليو انسحب الجيش النمساوي إلى بلجراد نفسها ليدعم حاميتها. لم يتردد الجيش العثماني، بل تقدَّم مباشرة صوب بلجراد، ومن ثم ضرب الحصار عليها. كان الصدر الأعظم عوض محمد باشا على قيادة الجيش العثماني، ولحقت به بعد قليل القوات العثمانية في البوسنة تحت قيادة حكيم أوغلو باشا. ضُرِب الحصار المحكم حول المدينة بداية من 26 يوليو 1739م[84]. في هذه الأثناء كانت قوات روسية تتقدَّم في البغدان، وتمكنت من احتلال بعض المدن في الشمال، لكن أوقفها الجيش العثماني هناك عند نهر بروت[85].
في صربيا أدركت النمسا أن سقوط بلجراد في أيدي العثمانيين صار مسألة وقت، بل شعرت أن الحرب لو استمرت للعام القادم فإنها قد تفقد إقليم تيميشوار كذلك في شمال الدانوب، لذا سارعت بطلب عقد مفاوضات سلام مع الدولة العثمانية، وذلك في أغسطس 1739م[86][87].
تذكر المصادر أن الصدر الأعظم السابق محمد يكن باشا اقترح على الديوان إكمال الحرب، ووضَّح أن النمساويين مهزومون في كافة الجبهات، وأن الفرصة مواتية ليس فقط لاسترداد بلجراد ولكن لعبور الدانوب واسترداد المجر بكاملها[88]. يُراعى في ذلك -أيضًا- الوضع السياسي السيئ الذي تعيشه النمسا في هذه السنوات بعد خسائرها في حرب الخلافة البولندية. -أيضًا- ستُقْبِل النمسا على أزمة قريبة في حال موت إمبراطورها تشارلز السادس، حيث إنه بلا أولاد من الذكور[89]، وقد يترك دولته الكبرى لابنته ماريا تيريزا، ولا يخفى على أحد حجم المشكلات التي يمكن أن تقابل النمسا في هذه الظروف. كانت الدولة العثمانية تحتاج إلى قرار جريء يمكنها من استغلال الفرص المتاحة، لكنها للأسف كانت تعاني من مرض «فقد الطموح»، والذي أثَّر على رؤيتها الاستراتيجية، فصارت تقنع بالانتصارات «الكبيرة»، مثل استرداد بلجراد، ولا تبحث عن الانتصارات «المجيدة»، مثل استرداد المجر! يُشبه هذا الموقف ما حدث عام 1711م عندما «قنع» الصدر الأعظم محمد بلطجي باشا باسترداد آزوڤ من الروس مضيِّعًا فرصة فتح روسيا بكاملها. هذه طبيعة قرون الثبات، حيث تضيع فيها مثل هذه الفرص الكبرى، بينما في ظل الدولة القوية يمكن استغلال أنصاف الفرص لتحقيق المجد.
قبلت الدولة العثمانية الجلوس على طاولة المفاوضات، ولكنها كانت مباحثات عسيرة! كانت النمسا موافقة على تسليم الدولة العثمانية كل ما هو جنوب الدانوب من صربيا، وكذلك شمال البوسنة، على أن تحتفظ ببلجراد، بينما كان العثمانيون مصرِّين على ضمِّ بلجراد، خاصة أنهم يحاصرونها بشكل كامل، وسقوطها في أيديهم متوقع في أي لحظة. كادت المفاوضات أن تنهار فاضطرت النمسا إلى توسيط السفير الفرنسي لدى الدولة العثمانية لويس سوڤير Louis Sauveur. كانت النمسا تعلم أن فرنسا لن تقف إلى جوارها فهي عدوها التقليدي، ومع ذلك رغبت في وساطتها لتضمن السلام. أما فرنسا فكانت ترغب في الوقوف إلى جوار الدولة العثمانية كيدًا في النمساويين من جانب، وتوقيفًا لتمدد الروس في البغدان من جانب آخر، ورغبة في استمرار العلاقات التجارية مع العثمانيين من جانب ثالث[90]. لم تكن فرنسا صديقًا وفيًّا للعثمانيين؛ إنما كانت «مصلحتها» في هذا الموقف، ويوم تتبدَّل المصالح ستغيِّر فرنسا صداقاتها بسهولة! ومع فهم معظم المؤرخين الأوروبيين لهذه السياسة الفرنسية إلا أن فرنسا لم تَسْلَم من انتقاداتهم لوقوفها إلى جوار العثمانيين على حساب النمسا وروسيا[91][92].
ضغط السفير الفرنسي على النمسا لتقبل بتسليم بلجراد للدولة العثمانية. رفضت النمسا في البداية، ولكن بعد الضغط قبلت أن تتنازل عنها ولكن بعد تدمير كل حصونها وقلاعها. رفضت الدولة العثمانية هذا الطرح وانسحبت من المفاوضات مهدِّدةً باللجوء للحلِّ العسكري. اقترح السفير الفرنسي أن تقوم النمسا بتدمير التحصينات التي قامت هي ببنائها في خلال الاثنين والعشرين عامًا التي كانت تحتل فيها المدينة (أي منذ عام 1717م)، بينما تُبْقِي على تحصينات العثمانيين القديمة، والتي بنيت قبل عام 1717م.
وافق الطرفان على هذا الاقتراح! هذا هو الملخص للمفاوضات، ولكن الحقيقة أن الأمر كان في غاية التعقيد، ولقد كتب المؤرخ والمعماري الفرنسي الشهير مارك أنتوني لوچيه Marc Antoine Laugier كتابًا يزيد على أربعمائة صفحة يشرح فيه التفاصيل المكثفة التي ناقشتها هذه المفاوضات، وكان كتابه معتمدًا على مذكرات السفير الفرنسي لويس سوڤير، ولقد كَتَبَ لوچيه في مقدمة كتابه يصف هذه المعاهدة بأنها واحدة من أعظم الأحداث في هذا العصر كله[93]! عُرِفَت هذه المعاهدة بمعاهدة بلجراد، وتمَّ توقيعها في 18 سبتمبر 1739[94][95].دمَّرت النمسا تحصيناتها الحديثة في بلجراد[96]، ووُضِعت الحرب بين الطرفين بموجب هذه المعاهدة لمدَّة سبعةٍ وعشرين عامًا[97].
هذه هي معاهدة ردِّ الاعتبار للدولة العثمانية، وقد استرجعت بها الدولة كل ما فقدته في معاهدة باساروڤيتز عام 1718م، باستثناء إقليم تيميشوار المجري[98][99]، وعلى الرغم من إمكانية الحصول على أكثر من ذلك في هذه الظروف فإن المعاهدة في نهاية الأمر رائعة للدولة العثمانية، وحفظت لها هيبتها -بلا مبالغة- عدة عقود.
لم تُوقِّع روسيا على هذه المعاهدة! اتفقت النمسا منفردة مع الدولة العثمانية[100][101] بحثًا عن مصلحتها، وباعت حليفتها روسيا بلا ثمن! وجدت روسيا نفسها وحيدة، وسوف تتوجه إليها كل الجيوش العثمانية المنتصرة في صربيا، والبوسنة، والإفلاق، بعد فراغها من النمسا بالمعاهدة، بل قد تتوجه إليها جيوش العراق والأناضول بعد غياب نادر شاه في الهند. -أيضًا- وردت الأنباء باحتمال غزو سويدي مرتقب لروسيا أو بولندا[102]، كما ترامت الإشاعات بتحالفٍ قريبٍ بين الدولة العثمانية، وبين كلٍّ من السويد، وبروسيا، وبولندا[103]. هذا كله دفع روسيا إلى أن تتنازل عن كبريائها -كما فعلت النمسا- وتطلب السلام. قبلت الدولة العثمانية، وعُقِدَت معاهدة نيش بين الدولتين في 3 أكتوبر 1739م، بعد أسبوعين فقط من معاهدة بلجراد. في هذه المعاهدة وافقت روسيا على الانسحاب من البغدان التي دخلتها منذ شهرين، ووافقت على عدم المطالبة لاحقًا بشبه جزيرة القرم، ومع ذلك فقد سُمِح لها ببناء ميناء في آزوڤ، ولكن مع تدمير كل التحصينات والقلاع هناك، فيصبح ذا قيمة تجارية فقط، كما أكَّدت المعاهدة على عدم السماح للسفن الروسية بدخول البحر الأسود إلا تحت أعلام عثمانية[104][105].
هكذا أَغْلَقت هاتان المعاهدتان صفحة المرحلة الأولى من حياة السلطان محمود الأول بطريقة جيدة، وسوف تهدأ الجبهة النمساوية بمعاهدة بلجراد مدَّة تسعٍ وأربعين سنةً كاملة (إلى عام 1788م)، وستهدأ الجبهة الروسية كذلك بمعاهدة نيش، ولكن مدة تسعٍ وعشرين سنةً فقط (إلى عام 1768م)[106].
[1] إبراهيم أفندي: مصباح الساري ونزهة القاري، بيروت، الطبعة الأولى، 1272هـ=1856م. الصفحات 216، 217.
[2] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م.صفحة 320.
[3] Nicolaas, Eveline Sint; Bull, Duncan; İrepoğlu, Gül & Renda, Günsel: An eyewitness of the Tulip Era: Jean-Baptiste Vanmour, Koçbank, Beşiktaş, Istanbul, Turkey, 2003., p. 47.
[4] Zarinebaf, Fariba: Crime and Punishment in Istanbul: 1700-1800, University of California Press, California, USA, 2010., p. 59.
[5] مينورسكي، فلاديمير: مختصر تاريخ نادر شاه، ترجمة: نظام عز الدين محمد علي، دار الياقوت، كركوك-العراق، (دون سنة طبع).الصفحات 16، 17.
[6]لاكهارت، كتاب نادر شاه، ضمن كتاب: شفق، رضا زاده، نادر شاه أفشار مؤسس الدولة الأفشارية وأول مُفعِّل للتقريب بين المذاهب الإسلامية (1100-1160هـ/1688-1748م) في نظر المستشرقين، ترجمة وتقديم وتعليق: أحمد الخولي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010م. صفحة 169.
[7] مينورسكي، (دون سنة طبع) صفحة 18.
[8] إقبال، عباس: تاريخ إيران بعد الإسلام من بداية الدولة الطاهرية حتى نهاية الدولة القاجارية، راجعه: السباعي محمد السباعي، نقله عن الفارسية وقدم له وعلق عليه: محمد علاء الدين منصور، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م.صفحة 702.
[9] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. صفحة 1/622.
[10] لاكهارت، كتاب نادر شاه، ضمن كتاب: شفق، رضا زاده، نادر شاه أفشار مؤسس الدولة الأفشارية وأول مُفعِّل للتقريب بين المذاهب الإسلامية (1100-1160هـ/1688-1748م) في نظر المستشرقين، ترجمة وتقديم وتعليق: أحمد الخولي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010م. الصفحات 171، 172.
[11] لونگريك، ستيفن هيمسلي: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، مكتبة اليقظة العربية، الطبعة السادسة، 1985م. صفحة 169.
[12] إبراهيم، 1856 صفحة 219.
[13] Ágoston, Gábor: Bayezid II (b. 1448—d. 1512) (r. 1481–1512), In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009 (D).pp. 415-416.
[14] براون، إدوارد: تاريخ الأدب في إيران، ترجمة: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م. صفحة 4/128.
[15] إقبال، 1989 صفحة 703.
[16] إقبال، 1989 صفحة 704.
[17] Axworthy, Michael: The Sword of Persia: Nader Shah, from Tribal Warrior to Conquering Tyrant, I.B. Tauris & Co Ltd, London, UK, 2006., p. 123.
[18] لاكهارت، 2010 صفحة 174.
[19] إقبال، 1989 صفحة 703.
[20] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 1/612.
[21] لونگريك، 1985 صفحة 170.
[22] Farrokh, Kaveh: Iran at War: 1500-1988, Bloomsbury Publishing, 2011., p. 112.
[23] السويدي، عبد الرحمن بن عبد الله: حديقة الزوراء في سيرة الوزراء، حققه وقدم له: عماد عبد السلام رؤوف، منشورات المجمع العلمي، بغداد، 1423هـ=2003م. الصفحات 341–359.
[24] الكركوكلي، الشيخ رسول: دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء، نقله عن التركية: موسى كاظم نورس، دار الكتاب العربي، بيروت، (دون سنة طبع). الصفحات 29-33.
[25] Farrokh, 2011, p. 111.
[26] لونگريك، 1985 الصفحات 173، 174.
[27] إبراهيم، 1856 صفحة 220.
[28] Gibb, Hamilton Alexander Rosskeen; Kramers, Johannes Hendrik; Lewis, Bernard; Pellat, Charles; Schacht, Joseph & et al.: The Encyclopaedia of Islam, Anmol Publications PVT, 2000., vol. 10, pp. 564-565.
[29] لونگريك، 1985 صفحة 174.
[30] Gibb, et al, 2000, vol. 10, p. 564.
[31] Tucker, 2019, vol. 2, p. 762.
[32] مينورسكي، (دون سنة طبع) صفحة 22.
[33] Bankes, Thomas; Blake, Edward Warren; Cook, Alexander & Lloyd, Thomas: A New, Royal, Authentic, and Complete System of Universal Geography, Antient and Modern, C. Cooke, London, UK, 1800., vol. 1, p. 155.
[34] لونگريك، 1985 صفحة 175.
[35] إقبال، 1989 صفحة 705.
[36] لونگريك، 1985 الصفحات 175، 176.
[37] Tucker, Spencer C. (Editor): Middle East Conflicts from Ancient Egypt to the 21st Century: An Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2019., vol. 1, p. 184.
[38] السويدي، 2003 الصفحات 361–363.
[39] السويدي، 2003 صفحة 364.
[40] لونگريك، 1985 صفحة 176.
[41] لاكهارت، 2010 صفحة 176.
[42] Tucker, 2019, vol. 2, p. 762.
[43] إبراهيم، 1856 صفحة 220.
[44] هانوي: جلوس نادر على عرش إيران، ضمن كتاب: شفق، رضا زاده: نادر شاه أفشار مؤسس الدولة الأفشارية وأول مُفعِّل للتقريب بين المذاهب الإسلامية (1100-1160هـ/1688-1748م) في نظر المستشرقين، ترجمة وتقديم وتعليق: أحمد الخولي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2010م.صفحة 54.
[45] لونگريك، 1985 صفحة 177.
[46] السويدي، 2003 صفحة 365.
[47] Farrokh, 2011, p. 112.
[48] براون، 2002 صفحة 4/128.
[49] Tucker, 2019, vol. 2, p. 762.
[50] إقبال، 1989 الصفحات 705، 706.
[51] لاكهارت، 2010 صفحة 177.
[52] لونگريك، 1985 صفحة 179.
[53] مينورسكي، (دون سنة طبع) صفحة 25.
[54] لاكهارت، 2010 صفحة 178.
[55] عزت، يوسف: تاريخ القوقاز، تعريب: عبد الحميد غالب، مطبعة عيسى البابي الجلبي وشركاه، القاهرة، 1352هـ=1933م. صفحة 11.
[56] Farrokh, 2011, p. 113.
[57] مينورسكي، (دون سنة طبع) صفحة 28.
[58] Daniel, Elton L.: The History of Iran, Greenwood Publishing Group, westport, CT, USA, 2001., p. 94.
[59] لاكهارت، 2010 صفحة 185.
[60] أمجن، فريدون: مولد الإمارة العثمانية ونموها، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م.صفحة 1/65.
[61] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م، 2008 صفحة 352.
[62] لاكهارت، 2010 صفحة 186.
[63] إقبال، 1989 صفحة 710.
[64] سلوت، ب. ج.: عرب الخليج 1602 – 1784، مراجعة: محمد مرسي عبد الله، ترجمة: عايدة خوري، المجمع الثقافي، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 1993م. صفحة 276.
[65] ولبر، دونالد: إيران ماضيها وحاضرها، ترجمة: عبد النعيم محمد حسنين، دار الكتاب المصري، القاهرة، الطبعة الثانية، 1405هـ=1985م.صفحة 95.
[66] Bancroft, Hubert Howe: The Book of Wealth: A Study of the Achievements of Civilization, 2015., p. 33.
[67] لاكهارت، 2010 صفحة 186.
[68] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 352.
[69] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 352.
[70] فريد، 1981 صفحة 321.
[71] أوزتونا، 1988 صفحة 1/609.
[72] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 2, p. 732.
[73] Stone, David R.: A Military History of Russia: From Ivan the Terrible to the War in Chechnya, Greenwood Publishing Group, Westport, CT, USA, 2006., p. 66.
[74] Aksan, Virginia H.: Ottoman Wars, 1700-1870: An Empire Besieged, Routledge, New York, USA, 2013., p. 103.
[75] Davies, Brian: Empire and Military Revolution in Eastern Europe: Russia's Turkish Wars in the Eighteenth Century, Continuum International Publishing Group, London, UK, 2011., p. 215.
[76] إبراهيم، 1856 صفحة 222.
[77] حليم، إبراهيم: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، مطبعة ديوان عموم الاوقاف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1323هـ=1905م.صفحة 160.
[78] Prokhorov, Aleksandr Mikhaĭlovich: Great Soviet Encyclopedia, Macmillan, 1982., vol. 22, p. 507.
[79] أوزتونا، 1988 صفحة 1/609.
[80] Hickok, Michael Robert: Looking for the Doctor's Son: Ottoman Administration of 18th Century Bosnia, University of Michigan, Michigan, USA, 1995., p. 34.
[81] Shapira, Dan D.Y.: The Crimean Tatars and the Austro-Ottoman Wars, In: Ingrao, Charles W.; Samardžić, Nikola & Pešalj, Jovan: The Peace of Passarowitz, 1718, Purdue University Press, West Lafayette, Indiana, USA, 2011., pp. 136-137.
[82] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/609، 610.
[83] Mikaberidze, Alexander (Editor): Conflict and Conquest in the Islamic World: A Historical Encyclopedia, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2011 (A).vol. 1, p. 350.
[84] Jaques, Tony: Dictionary of Battles and Sieges, Greenwood Press, Westport, CT, USA, 2007., vol. 1, p. 126.
[85] أوزتونا، 1988 صفحة 1/611.
[86] موفاكو، محمد: تاريخ بلغراد الإسلامية، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1407هـ=1987م.صفحة 68.
[87] Shapira, 2011, p. 137.
[88] أوزتونا، 1988 صفحة 1/ 610.
[89] شوجر، 1998 صفحة 227.
[90] Shennan, J.H.: International Relations in Europe, 1689-1789, Routledge, London, UK, 2005., p. 41.
[91] Martin, Henri: Martin's History of France: The Decline of the French Monarchy, Translated: Mary L. Booth, Walker, Fuller, Boston, USA, 1866.. vol. 1, pp. 201-202.
[92] Mckay, Derek & Scott, H.M.: The Rise of the Great Powers 1648 – 1815, Routledge, New York, USA, 2014., pp. 156-157.
[93] Laugier, Marc-Antoine: The History of the Negociations for the Peace Concluded at Belgrade September 18, 1739: Between the Emperor, Russia, and the Ottoman Porte, by the Mediation and Under the Guarantee of France. Shewing the Grounds of the Present War Between the Russians and the Turks, Translated from the French: M. l'abbé Laugier, W. and J. Richardson, London, UK, 1770., p. vii.
[94] فريد، 1981 صفحة 323.
[95] Woodhouselee, Alexander Fraser Tytler: Elements of General History: Ancient and Modern, John F. Brown, New York, USA, 1839., vol. 1, p. 270.
[96] Norris, David A.: Belgrade: A Cultural History, Oxford University Press, New York, USA, 2009., p. 14.
[97] Kurtaran, Uğur: Ottoman-Austria border determination works and newly determined borders according to the treaty of Belgrade of 1739, In: Rudić, Srđan; Aslantaş, Selim & Amedoski, Dragana: Belgrade 1521-1867, The Institute of History Belgrade, Yunus Emre Enstitüsü-Turkish Cultural Centre Belgrade, Belgrade, Serbia, 2018., p. 174.
[98] شوجر، بيتر: أوروبا العثمانية 1354 – 1804، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998م. صفحة 228.
[99] أوزتونا، 1988 صفحة 1/611.
[100]Hötte, Hans H.A.: Atlas of Southeast Europe: Geopolitics and History, Brill, Leiden, Netherlands: 1699-1815, Edited by: Béla Vilmos Mihalik, 2017), vol. 2, p. 9.
[101] موفاكو، 1987 صفحة 68.
[102].,Grinevetsky, Sergei R.; Zonn, Igor S.; Zhiltsov, Sergei S.; Kosarev, Aleksey N. & Kostianoy, Andrey G.: The Black Sea Encyclopedia, Springer, New York, USA, 2015. , p. 661.
[103] Somel, 2003, p. 169.
[104] شوجر، 1998 صفحة 228.
[105] Mikaberidze, 2011 (A), vol. 2, p. 647.
[106] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 831-848.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك