ملخص المقال
عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي ، أمير من كرام أمراء المسلمين على مدار العصور، حكم مصر أكثر من عشرين سنة، وهو تابعي ومن رواة الأحاديث الثقات.
عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، هو أمير من كرام أمراء المسلمين على مدار العصور، أمَّره أبوه على مصر فأقام بها أكثر من عشرين سنة، وهو تابعي ومن رواة الأحاديث الثقات، وله أحاديث في سنن أَبِي داود، ومسند أحمد، ومعجمي الطبراني الكبيرِ والأوسطِ، روى عَنْ: أَبِيْهِ، وَأَبِي هريرة، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَابْنِ الزبير[1]، ورَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ عُمَرُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَكَثِيْرُ بْنُ مُرَّةَ، وعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ، وابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قال ابن سعد: وَكَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ[2].
رتبته عند ابن حجر: كان صدوقًا، رتبته عند الذهبي: وثقه النسائي.
من أهم مواقف عبد العزيز بن مروان رسالة أرسلها أعقبها عمل كبير، وكان من نتيجة هذا العمل أمر جلل حفظ للمسلمين دينهم!
فقد أرسل عبد العزيز بن مروان رسالة إلى كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، وهو مِنَ التَّابعين الشَّاميِّين الثِّقات[3]؛ الذي التقى بعددٍ كبيرٍ مِنَ الصَّحابةِ، وسأله أَنْ يُرسل إليه ما يعرف مِنْ أحاديث ليجمعها. قال الليث بن سعد: حدَّثني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ -وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ بِحِمْصَ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، إلَّا حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فإنَّه عِنْدَنا[4]، يُعد هذا الموقف هو أول المحاولات الجادَّة الفعلية لجمع السُّنَّة النبوية.
معنى السُّنَّةِ وعلاقتُها بالقرآنِ الكريمِ
أرسلَ اللهُ رسولَهُ الكريمَ وهو في الأربعين من عُمْرِهِ، واستمرَّتْ بَعْثَتُه إلى أنْ مات وهو في الثَّالثة والسِّتِّين مِنْ عمرِهِ، فهذه ثلاثٌ وعشرون سنةً مِنَ النُّبُوَّة؛ قضى منها ثلاثةَ عشرَ عامًا في مكة، وعشرةَ أعوامٍ في المدينة، وكان القرآن يتنزَّلُ في كلِّ هذه الفترةِ بالقواعدِ والأحكامِ التي ينبغي للمسلمين أنْ يلتزموا بها، وكان الرَّسول في كلِّ هذه الفترةِ يتولَّى «تَبْيِينَ» طبيعةِ كلِّ حُكْمٍ وطريقةِ تطبيقه؛ قال I: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44].
هذا «التَّبيينُ» الذي كان يقومُ به رسولُ اللهِ هو السُّنَّةُ النَّبويَّةُ.
هذا التبيين كان من خلال أمور جمعها علماء الأصول في تعريف شامل فقالوا: السُّنَّة هي كلُّ قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، لرسولِ اللهِ.
مِن هذا المنطلقِ فإنَّ السُّنَّةَ النَّبويَّةَ هي «الطَّريقةُ» التي كان يعيشُ بها رسولُ اللهِ، ومن ثم التَّعارض بين القرآن والسُّنَّة مستحيلٌ؛ لأنَّهما من مَعِينٍ واحدٍ، فكلاهما وَحْيٌّ مِن الله، وكان لفظُ القرآن، وبالتَّالي معناه، مِنْ عند الله، أمَّا السُّنَّة فمعناها من عِنْد الله، ولكنَّ لفظها من عند رسول الله. هذا اللَّفظُ النَّبوِيُّ مُتَابَعٌ بالوحي، ولا يجوز فيه الخطأ أو سوء الفهم؛ إنَّما هو نقلٌ حرفيٌّ لِمَا أراده اللهُ من عباده؛ قال واصفًا ما ينطقُ به الرَّسُولُ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 1 - 4].
بهذه الرّؤيةِ نَفْهَمُ ما رواه الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ..»[5]. فالكتابُ هو القرآنُ، والذي مثله هي السُّنَّةُ النَّبويَّةُ، وكلاهما أتاهما اللهُ رسولَهُ الكريمَ. وفي روايةٍ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ-أيضًا- أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «.. أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللهُ»[6].
السُّنَّة دورها كبير:
أوَّلًا: شرحُ المُبْهَمِ:
ثانيًا: تفصيلُ المُجْمَلِ: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ وأحكامُ الزَّواجِ، والبيوعِ، والقَصَاصِ، والذَّبائحِ، والأَيْمَانِ، والعُقُودِ، وغيرِ ذلك، كلُّها مُعْتَمِدٌ على السُّنَّةِ في تفصيلِ مُجْمَلِه الذي جاء في القرآنِ؛ لهذا قال أَبُو نَضْرَةَ[7]: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ[8] قَالَ: فَجَعَلَ يُحَدِّثُنَا[9] قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: حَدِّثْنَا عَنْ كِتَابِ اللهِ. قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ، فَقَالَ: «إِنَّكَ أَحْمَقُ، ذَكَرَ اللهُ الزَّكَاةَ فِي كِتَابِهِ، فَأَيْنَ مِنَ الْمِئَتَيْنِ خَمْسَةٌ[10]؟ ذَكَرَ اللهُ الصَّلَاةَ فِي كِتَابِهِ، فَأَيْنَ الظُّهْرُ أَرْبَعًا؟ -حَتَّى ذَكَرَ الصَّلَوَاتِ- ذَكَرَ اللهُ الطَّوَافَ فِي كِتَابِهِ، فَأَيْنَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا؟ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا؟ إِنَّا نُحْكِمُ مَا هُنَاكَ وَتُفَسِّرُهُ السُّنَّةُ»[11].
ثالثًا: تقييدُ المُطْلَقِ: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ [البقرة: 173]، فهذا النَّصُّ مُطْلَقٌ؛ بمعنى أنَّ «كلَّ» المَيْتَةِ والدَّمِ حرامٌ؛ ولكنْ أتتِ السُّنَّةُ وقيَّدتْ هذا المطلقَ؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»[12].
رابعًا: تخصيصُ العامِّ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، فمُفَادُ هذه الآيةِ قطعُ اليدِ لأيِّ سارقٍ دون تحديدِ نوعِ السَّرقةِ؛ لأنَّ لفظَ السَّرقة عامٌّ في الآيةِ، ولكنْ تأتي السُّنَّةُ النَّبويَّةُ وتُخَصِّصُ هذا اللَّفظَ العامَّ، وبالتَّالي يأخذُ الحكمُ شكلًا آخرَ. فبالنِّسبةِ إلى حدِّ السَّرقةِ، وهو قطعُ اليدِ، فإنَّه لا يكونُ إلَّا في حقِّ مَنْ سَرَقَ شيئًا بَلَغَ نِصَابًا معيَّنًا، وكان هذا الشَّيءُ في حِرْزٍ؛ فهذان شرطان حدَّدَتْهُمَا السُّنَّةُ وحدها؛
خامسًا: استقلاليَّةُ السُّنَّةِ بالتَّشريعِ: السُّنَّة «أضافت» تشريعاتٍ لم يأتِ بها نصٌّ في القرآنِ، وهذا صحيحٌ، وله أمثلةٌ أخرى كثيرةٌ.
من الأحاديثِ المهمَّةِ في هذا المجالِ ما رَوَاهُ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ»[13].
المبحث الثَّالث: حُجِّيَّةُ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ:
الآياتُ القرآنيَّةُ الآمرةُ باتِّباعِ الرَّسولِ كثيرةٌ، ومجموعها يُؤكِّد أنَّ المسلمَ مطالَبٌ باتِّباعِ أحكامِ السُّنَّةِ كما أنَّه مطالبٌ باتِّباعِ أحكامِ القرآنِ، ومنها ما يلي:
قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النِّساء: 59]؛
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]؛
التطبيق العملي:
1- الإيمان الكامل في أهمية السُّنَّة إلى جوار القرآن الكريم
2- الثقة الكاملة في أن الله حفظ السُّنَّة كما حفظ القرآن الكريم
3- المخالفة للسُّنَّة تقود للفتنة والعذاب: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63][14].
[1] سير أعلام النبلاء ط الرسالة 4/ 250.
[2] الطبقات الكبرى ط دار صادر (5/ 236).
[3] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، 8/429.
[4] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 7/311.
[5] أبو داود (4604)، وأحمد (17213)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وصحَّحه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (2870).
[6] ابن ماجه (12)، وأحمد (17233)، والدارمي (586)، وقال ابن حجر: حديث حسن صحيح. انظر: موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر، 2/324.
[7] أبو نضرة: المُنْذِرُ بنُ مَالِكٍ العَبْدِيُّ، الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، الثِّقَةُ، تَابِعِيٌّ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِالبَصْرَةِ.
[8] عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: صَحَابِيٌّ كَانَتِ الْمَلائِكَةُ تُصَافِحُهُ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ.
[9] أي يُعَلِّمهم أحاديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أي السُّنَّةَ النَّبويَّةَ.
[10] أي أَنَّ الزَّكاةَ ربعُ عُشْرِ المالِ.
[11] ابن المبارك: الزهد والرقائق، ويليه الزهد لنعيم بن حماد، 2/23، واللفظ له، والآجري: الشريعة، 1/417، وابن بطة: الإبانة الكبرى، 1/236، وابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، 2/1192.
[12] ابن ماجه (3314)، وأحمد (5723)، وقال البيهقي: وَرَوَاهُ غَيْرُهُمْ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. البيهقي: السنن الكبرى، 10/12 (19697)، وقال ابن حجر: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْقُوفًا قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ. وَكَذَا صَحَّحَ الْمَوْقُوفَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ. انظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرَّافعي الكبير، 1/35.
[13] أبو داود (4604)، واللفظ له، وأحمد (17213)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة، (2870).
[14] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب أضغط هنا: عبد العزيز بن مروان وحفظ السنة النبوية
التعليقات
إرسال تعليقك