التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هناك خلط كبير عند المؤرخين بشأن التبابعة، والتبابعة نسبة إلى تُبَّع، وتُبَّع هو الذي كان يحكم اليمن في إحدى مراحلها التاريخية، فما تعرف عن تلك القصة؟
هناك خلط كبير عند المؤرخين بشأن التبابعة، والتبابعة نسبة إلى تُبَّع، وتُبَّع هو الذي كان يحكم اليمن في إحدى مراحلها التاريخية، كما يسمَّى حاكم فارس بكسرى، وحاكم الروم بقيصر، ومع ذلك فيقال ليس كل من يحكم اليمن يسمَّى تُبَّع، إنما ذلك فقط لمن حاز ملكًا كبيرًا ضمَّ حضرموت وبعض المناطق كالشِحْر، وهي مدينة في حضرموت الآن، فإن لم يضمها سُمِّي ملكًا وليس تُبَّعًا.
وقد ورد ذكر قوم تبَّع في القرآن في قوله تعالى{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [الدخان: 37]، هذه الآية يفتخر بها أهل اليمن على قريش، والمقارنة معهم لأن القرشيين يعرفون قوم تبَّع، وعهدهم على الأغلب قريب منهم، ولذا كانوا يلعنونهم، ويمكن أن يكون للعنصر القبلي دخل، لأن التبَّع الأخير عظَّم الكعبة، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن لعن تبَّع الزعيم، وهو أسعد الحميري أبي كَرِب على الأغلب، وإن كان قومه مشركين مذمومين، قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق: 14].
هناك اختلاف حول التوقيت الذي عاش فيه التبابعة، البعض يجعلهم في الفترة التي سبقت عيسى عليه السلام، وثبت أنهم كانوا موجودين في زمن قريش، وهذا زمن متأخر نسبيًّا، وهو بعد عيسى يقينًا، ويمكن أن يكونوا موجودين منذ القدم، واستمرَّ وجودهم إلى قبيل البعثة النبوية، وقد ورد أنهم حاولوا هدم الكعبة، وقد يكون في الأمر منافسات اقتصادية، وكذلك منافسات عرقية وقبليَّة.
والحقُّ أن الأخبار عن هذه الفترة غير موثوقة، وورد أن التبابعة حاولوا غزو الكعبة مرارًا، ولكن ردَّتهم خزاعة «حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ - قَالَا: "أَقَامَتْ خُزَاعَةُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ وِلَايَةِ الْبَيْتِ وَالْحُكْمِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ بَعْضُ التَّبَابِعَةِ قَدْ سَارَ إِلَيْهِ وَأَرَادَ هَدْمَهُ وَتَخْرِيبَهُ، فَقَامَتْ دُونَهُ خُزَاعَةُ، فَقَاتَلَتْ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى رَجَعَ، ثُمَّ آخَرُ فَكَذَلِكَ، وَأَمَّا التُّبَّعُ الثَّالِثُ الَّذِي نَحَرَ لَهُ وَكَسَاهُ، وَجَعَلَ لَهُ غَلَقًا، وَأَقَامَ عِنْدَهُ أَيَّامًا، يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ بَدَنَةٍ، لَا يَرْزَأُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَسْكَرِهِ شَيْئًا مِنْهَا، يَرِدُهَا النَّاسُ فِي الْفِجَاجِ وَالشِّعَابِ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ تَقَعُ عَلَيْهَا الطَّيْرُ فَتَأْكُلُ، ثُمَّ تَنْتَابُهَا السِّبَاعُ إِذَا أَمْسَتْ لَا يُرَدُّ عَنْهَا إِنْسَانٌ وَلَا طَيْرٌ وَلَا سَبُعٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْيَمَنِ»[1].
من المعروف أن آخر التبابعة كان اسمه أسعد الحميري، وقد فكَّر كغيره من التبابعة في هدم الكعبة، لكنَّه غيَّر رأيه، واتَّجه إلى تعظيم الكعبة، والروايات التي تفسِّر هذا التناقض غير موثوقة، ولكن الثابت أنه اتَّجه إلى تعظيم الكعبة، وكان ذلك عن طريق بعض الأمور:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ تُبَّعٌ أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ كِسْوَةً كَامِلَةً، أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَهَا فَكَسَاهَا الْأَنْطَاعَ[2]، ثُمَّ أُرِيَ أَنْ يَكْسُوَهَا فَكَسَاهَا الْوَصَائِلَ[3] ثِيَابَ حِبَرَةٍ مِنْ عَصْبِ الْيَمَنِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابًا يُغْلَقُ، وَلَمْ يَكُنْ يُغْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ.."[4].
وذكر ابن إسحاق كما أنه نحر عند البيت وأطعم أهل الحرم والطيور.
هناك تعليقات مهمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الحدث، وقد يبدو فيها التعارض، وسنذكر كيفية الجمع بين المتعارضات:
أولًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه: «مَا أَدْرِي أَتُبَّعُ لَعِينًا كَانَ أَمْ لَا، وَمَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ نَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا، وَمَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا»[5].
ثانيًا: روى أحمد والطبراني وصححه الألباني عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ»[6].
والحديثان صحيحان، والجمع بينهما ميسور، إذ أن الحديث الأول كان قبل الثاني، ولم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بهذه الأمور الثلاثة، وقد علم لاحقًا أن الحدود كفارة، فقال ذلك، وعلم أيضًا أن تبَّعًا المقصود ليس لعينًا، بل هو مسلم، ولذا أمر بعدم سبِّه، أما الأمر الثالث، وهو هل ذو القرنين نبي أم لا فهذه لم يُجِب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي دعاه للشكِّ هو الألفاظ التي ذُكِرَت في القرآن توحي أن ذا القرنين كان يوحَى إليه، مثل قوله: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 86 - 88]، ومع ذلك فليس هناك تصريح بهذه النبوة، فأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم معرفته للأمر.
وغني عن البيان أن ذا القرنين ليس الإسكندر المقدوني، وليس صينيًّا كما يقول ابن عاشور، وليس أسعد الحميري كما يقول البعض.
كما وردت روايات عدَّة تصف حجَّ ذي القرنين ولقاءه بإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكلها أخبار لا تصحُّ.
وعلى الأغلب هو ليس معروفًا، ولا سبيل إلى توقُّع مكانه أو اسمه، ولم يكن يعرفه إلا أهل الكتاب بمعلومات عندهم من الوحي، وليست هذه المعلومات متوفِّرة عند العرب أو الناس.
خلاصة التبابعة والكعبة:
هم أول من كسا الكعبة، وسيستمر أمر هذه الكسوة أبدًا، وهم أول من جعلوا لها بابًا يُغْلَق[7].
[1] الأزرقي: أخبار مكة، 1/168. وقال عبد الملك بن دهيش: إسناده حسن.
[2] الأنطاع جمع نطع وهو بساط من الجلد.
[3] الوصائل جمع وصيلة وهي ثوب أحمر مخطط يماني.
[4] أخبار مكة للأزرقي (1/ 208)، وقال عبد الملك بن عبد الله بن دهيش: إسناده صحيح.
[5] الحاكم: المستدرك (2174) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم. والبزار: البحر الزخار (8519) 15/ 166.
[6] أحمد (22931).
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: التبابعة والكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك