التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من الأحداث المهمة في التاريخ الحديث الحملة الفرنسية على مصر، ومع أهمية الحدث إلا أن الأسباب الحقيقية وراء الحملة أثارت جدلًا كبيرًا بين المؤرخين.
من الأحداث المهمة في التاريخ الحديث الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين (1798- 1801م)، ومع أهمية الحدث إلا أن الأسباب الحقيقية وراء الحملة أثارت جدلًا كبيرًا بين المؤرخين، خاصة أن فرنسا لم تعلن بشكل رسمي عن أسباب الحملة.
كانت مصر في هذا الوقت تحت حكم الدولة العثمانية في الظاهر، لكن على أرض الواقع كانت محكومة ب المماليك في بداية الحكم العثماني وكان هذا بالاتفاق الرسمي مع المماليك، ولكن في هذه المرحلة كان المماليك قد انشقوا عن الحكم العثماني، ولم تكن مصر تحت السيطرة الفعلية للعثمانيين، بل كانت تحت قيادة مراد بك وإبراهيم بك.
كانت الدولة العثمانية حينذاك في حالة ضعف شديد؛ سواء من الناحية السياسية، أو العسكرية، أو العلمية، أو الاقتصادية، ومع أنها كانت تحت حكم السلطان سليم الثالث الذي كان يسعى للإصلاح، إلا أن الخرق كان قد اتَّسع على الراقع، وبدأت الدولة في الانهيار.
على الجانب الآخر فرنسا كانت تقرأ حالة الضعف العثمانية، ومع أنها كانت تدَّعي الصداقة مع الدولة العثمانية إلا أنها اعتادت على الغدر في اتفاقياتها لاسيما نابليون الذي ترأس هذه الحملة، وأشرف بنفسه على هذا الاحتلال الذي حدث بلا توترات سابقة بين الدولتين العثمانية والفرنسية، بل العكس جاء بعد ثلاث سنوات فقط من تجديد الدولة العثمانية لامتيازات الفرنسيين التجارية في الدولة، مما جعل المفاجأة ثقيلة!
كان النظام الملكي في فرنسا قد سقط في الثورة الفرنسية قبل الحملة الفرنسية بتسع سنوات فقط، وقامت الجمهورية على أسس العدل والمساواة والحرية كما يقولون، لكن هذا لم يكن له تطبيق على أرض الواقع، وكان مثاليات فارغة، وكان الإثبات لذلك متمثِّلًا في الحملة الفرنسية. إضافة إلى ذلك أنَّ الصراعات في أوروبا كانت متأججة؛ سواء على المستوى الداخلي في فرنسا، أو بين فرنسا وأعدائها الأوربيين، وفي مقدمتهم إنجلترا، وكذا النمسا وإيطاليا.
السبب الأكبر في الأغلب للحملة الفرنسية هو قطع طريق التجارة الإنجليزية، والتي كانت تتخذ من مصر نقطة وسيطة بينها والهند[1][2]. كانت هذه التجارة شريان حياة اقتصادي بالنسبة للإنجليز، ومصدرًا مهمًّا للمواد الخام التي زادت قيمتها بعد الثورة الصناعية الكبرى التي قامت في بريطانيا في هذه الفترة، ولما كانت بريطانيا هي الدولة التي تتزعم قتال فرنسا في أوروبا، فإن حربها في النقاط الحيوية لها في العالم، ومنها مصر، كان هدفًا فرنسيًّا مهمًّا.
لذلك لم يكن عداء الدولة العثمانية مقصودًا في هذه الحملة، إنما جاء كأضرار جانبية لحرب فرنسية إنجليزية، وهذا يحدث بشكل متكرر مع الشعوب الضعيفة، ولقد ذكرنا قبل ذلك معاناة الشعب المجري من جراء حرب القطبين الكبيرين، العثمانيين والنمساويين، على أرضه، والآن يعاني الشعب المصري من جراء حرب الإنجليز والفرنسيين على أرضه! والتاريخ يكرر نفسه!
الفكرة ليست جديدة:
في عام 1777م زار البارون "دي توت" مصر (قبل الثورة الفرنسية ب 12 سنة) موفدا من وزير البحرية لتقديم تقارير عن الشواطئ المصرية وقد كتب مذكرة تحت عنوان "ملاحظات على الشواطئ المصرية" وصف فيها سوء حالة التحصينات في الاسكندرية ، أيضًا في عام 1787م زار الرحالة "فولتي" الإسكندرية وذكر أيضًا مدى سوء الأوضاع في تحصيناتها وعدم وجود قلاع لحمايتها وألف كتاب عن الإسكندرية وكل ما فيها وقد أخذ نابليون كتابه هذا واعتمد عليه في فتح الاسكندرية
كذلك قدم شارل مجالون القنصل الفرنسي في مصر تقريره إلى حكومته في 9 فبراير 1798م يحرضها على ضرورة احتلال مصر، ويبين أهمية استيلاء بلاده على منتجات مصر وتجارتها، كما تلقت حكومة فرنسا تقريرا آخر من تاليران وزير الخارجية عرض فيه للعلاقات التي قامت من قديم الزمن بين فرنسا ومصر وبسط الآراء التي تنادي بمزايا الاستيلاء على مصر، ويحتل هذا التقرير مكانة كبيرة في تاريخ الحملة الفرنسية على مصر.
لماذا هذا التوقيت؟
أولًا: الدوافع السياسية والعسكرية:
وتتمثل في الصراع المحتدم بين فرنسا والدول الأوربية وفي مقدمتها إنجلترا بسبب تجاوز فرنسا لحدودها بالاستيلاء على بلجيكا وشمال إيطاليا واعلان فرنسا تأييدها لأي أمة أوروبية تطالب بالتغيير، وبالتالي سعت فرنسا لنقل الصراع الى ميادين أخرى ومنها مصر، وكانت الظروف كلها مواتية لفرنسا فقد انتصرت على ايطاليا وعقدت صلح مع بروسيا لتقف على الحياد وأيضا عقدت صلح مع النمسا واستولت على بلجيكا واستولت أيضًا على الجزر الايونية والبندقية وضمت أسطولها إلى الاسطول الفرنسي وبالتالي لم يبق سوى إنجلترا التي أرادت فرنسا أن توجه ضربتها مصالحها التجارية في الهند عن طريق مصر. وكان هذا نتيجة لما فقدته فرنسا من مستعمرات في الهند وأيضا لمستعمرات في أمريكا الشمالية وسعيها لإقامة امبراطورية فرنسية على غرار انجلترا بالإضافة رغبتها في تعويض ما فقدته من مستعمرات والثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا واحتكار انجلترا لطريق رأس الرجاء الصالح.
ثانيًا: الدوافع التجارية للحملة الفرنسية:
فقد ظهرت في الأفق أفكار فرنسية لأحياء الطرق البرية إلى الهند، وأسست لذلك شركة الليفانت الفرنسية المهتمة بذلك، وهذا يحقق اعادة الملاحة التجارية في البحر الأحمر أما تفكير فرنسا في احتلال مصر كان بحثا عن القمح.
ثالثًا: دوافع خاصة بنابليون نفسه:
ومنها: نتيجة لانتصارات نابليون الباهرة خشت منه حكومة الإدارة وبالتالي أرادت التخلص منه بإرساله الى مصر، أيضًا هجوم حزب اليعاقبة على نابليون مما أدى الى رغبته في تحقيق انتصارات له خارج فرنسا تدعم من مكانته العسكرية.
قيادة الحملة
قاد الحملة الفرنسية على مصر ألمع القادة الأوروبيين في العصر الحديث، وهو نابليون بونابرت، وقد جاء مسبوقًا بأخبار انتصاراته الساحقة التي حققها على النمساويين والإيطاليين في عامي 1796 و1797م قبيل الحملة على مصر بقليل، وقد استطاع في هذه الحروب الأوروبية أن يحتل شمال إيطاليا، وأن يحقق طموحات فرنسية لم تتحقق على مدار قرون، بل تمكن في عام 1797م -قبل عامٍ واحد من غزو مصر- من ضم جمهورية البندقية العتيدة إلى فرنسا منهيًا وجودها بالكلية[3].
كان نابليون في هذا الوقت أحد قواد الجيش الفرنسي الجمهوري المنقلب على الملكية، وهذا أعطاه مكانة كبيرة في الجيش خاصة في ظلِّ إقصاء عدد كبير من كبار قيادات الجيش الملكي القديم، ثم جاءت انتصاراته لتجعله بطلًا قوميًّا فرنسيًّا، وقد أضاف إلى شهرته إنشاؤه لجريدتين عسكريتين تنشران أخبار المعارك، كان لهما الأثر الكبير في تسويق اسمه في فرنسا وأوروبا[4]. ويتصف نابليون بأنه كان عبقريًّا، وله عقلٌ في غاية الفطنة، وكان محبًّا للعلوم، وتمتع إلى جوار ذلك بملكات إدارية فائقة، وبثقافة واسعة، وبكاريزما قيادية لافتة، وبهمة عالية[5]، لكنه كان -فيما أرى- بلا قلب، وحشيًّا تمامًا في معاركه، مغرورًا متكبِّرًا، كما أنه كان في سبيل مصلحته يطأ كلَّ خلق نبيل! ينبغي لفت النظر إلى أن نابليون وقت حملته على مصر والشام كان في التاسعة والعشرين فقط من العمر، حيث أنه من مواليد 15 أغسطس 1769[6]![7].
[1] ول ديورانت: عصر نابوليون، 1/229، 233.
[2] المعلم نقولا الترك: الحملة الفرنسية على مصر والشام (ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية)، حققه وقدم له ووضع حواشيه العميد الركن الدكتور ياسين سويد، دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1990، ص27.
[3] McLynn, Frank (1998). Napoleon. Pimlico. P. 132.
[4] Dwyer, Philip (2008). Napoleon: The Path to Power. Yale University Press. Pp. 306-322.
[5] ول ديورانت: عصر نابوليون، 2/148-159.
[6] Louis Antoine Fauvelet de Bourrienne: Memoirs of Napoleon Bonaparte. Charles Scribner's Sons, 1889. Vol. 1, p. 1.
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك