ملخص المقال
من أروع المشاهد التي تأسر الإنسان توقير العلماء لبعضهم البعض، ومن ذلك ما رُوي في الكتب عن لقاء السيدة نفيسة بالإمام الشافعي في مصر.
من أروع المشاهد التي تأسرني توقير العلماء لبعضهم البعض، وتواضع بعضهم للآخر، وحفظ الفضل لأهل الفضل، ومن ذلك ما رُوي في الكتب عن لقاء السيدة نفيسة بالإمام الشافعي في مصر، وهما من قرابة واحدة، وكلاهما من ذوي القربى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت السيدة نفيسة تعيش في المدينة، وكان الشافعي يعيش في مكة، ثم بغداد، ثم كتب الله تعالى لهما الهجرة إلى مصر ليلتقيا فيها عدة لقاءات عظيمة.
السيدة نفيسة:
· من مواليد 145 هجرية، فهي أكبر من الشافعي بخمس سنوات،
· بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فالحسن بن علي هو جدُّ أبيها
· هي بذلك من آل البيت، وقد روى مسلم عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي».
الشافعي:
هو أيضًا من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبعد، فهو ليس من نسله، فالشافعي هو مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بن هَاشم بن الْمطلب بْن عَبْدِ مَنَافِ.
عائلة عبد مناف:
كان لعبد مناف (الجدُّ الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم) 4 أولاد: هاشم، والمطَّلب، وعبد شمس، ونوفل.
وكان هاشم والمطلب يدًا واحدة ضد عبد شمس ونوفل، ولذا عندما حصر الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل هاشم في الشعب انضمَّت إليهم بنو المطلب، بينما انضمت بنو عبد شمس وبنو نوفل للكفار، وحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الموقف لبني المطلب، واعتبرهم من ذوي القربى. وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ (من غنيمة خيبر) وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ».
هذا من سعادة الشافعي، وكان يأخذ من سهم ذوي القربى هذا.
هجرة العظيمين إلى مصر:
· في عام 193 هاجرت السيدة نفيسة بنت الحسن إلى مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق (زوجها أخو موسى الكاظم، وهو من نسل الحسين بن علي رضي الله عنهما).
كانت لها مكانة كبيرة في مصر، وكانت من العابدات الصالحات، ومن العالمات بالحديث النبوي، واشتُهر أمرها، وكثر الزوَّار إليها، حتى كادت تخرج من البلد لانشغالها بالزوار عن العبادة، لولا أن السري بن الحكم الوالي قنَّن الزيارة إليها وجعلها يومين فقط في الأسبوع.
. في عام 198 هاجر الشافعي إلى مصر. وذكرت المصادر عدة لقاءات بين العظيمين:
أولًا: لقاءات لسماع الشافعي للحديث منها، وقال البعض إنه كان يقرأ عليها، والصواب أنه كان يسمع منها، وكان الشافعي حريصًا على جمع الحديث من كل مصادره. وكان الشافعي يذهب إليها مع أصحابه، وكان شديد التأدُّب معها، وكانوا يستمعون إليها من وراء حجاب، وطلب الشافعي منها الدعاء، وورد أنه زارها بصحبة عبد الله بن عبد الحكم.
ثانيًا: ذكر ابن كثير أنها أحسنت إلى الشافعي، وكان ربما صلى بها في شهر رمضان.
ثالثًا: قبيل وفاة الشافعي أوصى بأن تصلي عليه السيدة نفيسة، فلما مات ليلة الجمعة آخر ليلة في رجب عام 204 هجرية مروا بالجنازة إلى بيتها، وصلت عليه في داخل الدار، ثم ذهبوا به إلى قبره.
قال ابن العماد في شذرات الذهب في مدح السيدة نفيسة: "وسلسلتها في النسب، وسماع الشّافعيِّ منها وعليها، وحمله ميتًا إلى بيتها، أعظم منقبة، فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال، وصيت وإجلال.
موت السيدة نفيسة:
وبعد موت الشافعي بأربع سنوات، في رمضان 208 ماتت السيدة نفيسة، وأراد زوجها أن يحملها للدفن في المدينة إلا أن أهل مصر توسَّلوا إليه ليبقيها بركةً في البلد، فقبل، ودفنت في دارها، وأقيم بعد ذلك مسجد إلى جوار المدفن.
هكذا أراد الله تعالى لأهل مصر فأتى بهذين الكريمين ليُدْفنا في أرضها[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك