جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
أبيي كشمير السودان مقال يوضح أبعاد الصراع في منطقة أبيي المتنازع عليها بين شمال وجنوب السودان، فما أبعاد هذا الصراع؟ وهل قضية أبيي ستجدد الحروب الأهلية
تحمل منطقة أبيي المتنازع عليها بين شمال وجنوب السودان كل مكونات نزاع قد يتفجر بين الشمال والجنوب، من مشاكل الحصول على المياه إلى العطش للنفط والتنافس القبلي التاريخي والتطرف.
وينص اتفاق السلام الذي أنهى في 2005م حربًا أهلية استمرت عقدين بين الشمال والجنوب في السودان، على إجراء استفتاءين "متزامنين" في التاسع من يناير 2011م؛ واحد حول استقلال الجنوب، والثاني حول إلحاق أبيي بالشمال أو الجنوب. وسينظم الاقتراع الأول الأحد، لكن الثاني تم تأجيله إلى أجل غير مسمى.
ولم يتفاهم المتمردون السابقون في الحركة الشعبية لتحرير السودان (جنوبية) وقبيلة دينكا نقوك من جهة وعرب المسيرية وحزب المؤتمر الوطني من جهة ثانية على حق تصويت الناخبين.
ويبقى الخلاف قائمًا حول تحديد حدود منطقة أبيي، التي شكل الشماليون والجنوبيون -بعد الحرب الأهلية- لجنة لتحديد حدود أبيي لكن نتائج أعمالها لم تلق إجماعًا. وعقب اشتباكات دامية في 2008م في أبيي أثارت مخاوف من تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، رفع الجانبان الخلاف إلى هيئة التحكيم الدائمة في لاهاي، وقضت المحكمة بتقليص مساحة هذه المنطقة لتصبح حوالي 10 آلاف كيلو متر مربع، يقيم عليها خصوصًا جنوبيو قبائل الدينكا نقوك، ومنحت الجزء الآخر الذي تتركز فيه حقول النفط إلى شمال السودان.
ولقي هذا القرار موافقة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة سلفا كير ومن حزب البشير والمؤتمر الوطني وقبائل دينكا نوك، إلا أن قبائل المسيرية التي قاتلت مع الشماليين خلال الحرب الأهلية رفضته، وتراجع الحزب الحاكم في الخرطوم بعد ذلك عن قراره، ودعم مطالب المسيرية؛ حيث تنتقل هذه القبيلة العربية الشمالية كل سنة خلال موسم الجفاف إلى بحر العرب الذي يسميه الجنوبيون نهر كير بحثًا عن مراعٍ لماشيتها، قبل أن تدخل الأراضي الجنوبية، ويعبر النهر "أبيي". ويمنح قانون الاستفتاء قبائل دينكا نقوك حق التصويت ولا يمنح المسيرية هذه الإمكانية، وهي تخشى ألا تتمكن من الوصول إلى النهر إذا ألحقت أبيي بالجنوب.
وجرت مفاوضات بين حركة التمرد الجنوبية السابقة والحزب الحاكم في الشمال وقبائل الدينكا نقوك والمسيرية برعاية الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي إلا أنها لم تُجدِ. وتشكل أزمة أبيي دليلاً واقعيًّا على الصعوبات المرتبطة بتحديد الحدود.
وتقع منطقة أبيي في إقليم كردفان وسط السودان، وتقطنها قبائل عدة، لكن غالبيتها من قبيلة دينكا نقوك الإفريقية وقبيلة المسيرية العربية، ويدعي كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة، التي تعتبر منطقة تداخل يعود تاريخه إلى منتصف القرن الثامن عشر.
وظلت المنطقة تتبع إداريًّا إلى شمال السودان منذ 1905م، لكنها تحولت الآن إلى منطقة نزاع بين حزب المؤتمر الوطني و"الحركة الشعبية" التي تريد ضمها إلى الجنوب الذي تحكمه، وترى الخرطوم أن أبيي منطقة تمازج بين القبائل العربية والإفريقية، نافيةً كونها خالصة لطرفٍ من دون الثاني.
وتعتقد "الحركة الشعبية لتحرير السودان" أن أبيي كانت تابعة إلى الجنوب قبل عام 1905م، وقام الحاكم العام البريطاني بضمها إلى شمال مديرية كردفان بقرار إداري وتطالب بإعادتها إلى الجنوب. وتضيف الحركة أن العلاقة بين مجموعة الدينكا والعرب عرفت تغييرًا في فترة الرئيس الراحل إبراهيم عبود، حيث حاول عبود إنهاء مشكلة الجنوب عبر العمل العسكري، إضافة إلى جهود الأسلمة والتعريب هناك، وحينها بدأ عدد من أبناء دينكا أبيي في الالتحاق بالحركات المسلحة الجنوبية.
وعانت قبائل تلك المنطقة من آثار الحروب الأهلية في السودان، في الحرب الأولى التي امتدت بين أعوام 1956 و1972م، والحرب الأهلية عام 1983م.
وظلت العلاقة بين قبيلتي المسيرية والدينكا تتسم بالتعاون والهدوء قبل عشرات السنين، غير أن تدخُّل النُّخب السياسية أفسد تلك العلاقة، ولم تكن أبيي بمنأى عن جملة تحولات سياسية واقتصادية ذات انعكاس اجتماعي؛ فقد اتخذ الصراع بين القبيلتين بُعدًا جديدًا شكلته حسابات السياسة لتتحول طبيعة المشاكل في المنطقة -والتي كانت غالبًا ما تخضع إلى قانون القبيلة- إلى صراعٍ مسلح بين قبيلة المسيرية و الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يسيطر على الجنوب.
المصدر: بوابة الوفد الإلكترونية.
التعليقات
إرسال تعليقك