جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
يدخل السودان في تلك الأيام في قلب المخطط الصهيوني الأمريكي لتجزئة ما تبقى منه.. فإلى أين يتجه السودان؟ وما مستقبل مصر بعد تفتيت السودان؟
يدخل السودان في تلك الأيام في قلب المخطط الصهيوني الأمريكي لتجزئة ما تبقى منه، والقضاء على واحدة من أكبر الدول الإسلامية والعربية في المنطقة؛ فقضيةُ تقسيم السودان ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي ملفات قديمة تنتقل من متعهد إلى آخر بنفس السيناريوهات دون تغيير، ربَّما يتأخر التنفيذ لوجود بعض المعوقات، وأحيانًا أخرى يكون التأخُّر بسبب صعوبات في الطرق التي سينفذ من خلالها المخطط.
وقضية السودان كانت إحدى قضايا الإمبراطورية العظمى "بريطانيا" قبل أن تتفكك أوصالها، وتنتقل الملفات إلى المتعهد الجديد الأمريكي الصهيوني، فلم تترك بريطانيا السودان إلا بعد أن تَمَّ فصلُه عن مصر، وإشعال الصِّراع في الجنوب منذ أكثر من نصف قرن، وعمل الأمريكان والصهاينة على مدى تلك العقود على ألا تنطفئَ تلك النيران قبل أن تُحقِّق أهدافهم طويلة الأمد، وسعى الغرب والصهاينة في ألا يحدث الالتحامُ مرة أخرى بين مصر والسودان، كما كان على مدى التاريخ؛ لعدة أسباب:
لأنَّ كلتا الدولتين تمتلك من المقوِّمات التي لو اجتمعت لخرج مواطنو تلك الدول من عباءة الفقر والجوع ليصلا إلى مصافِّ التقدُّم. ليس الدولتان فقط، بل يجران وراءهما المنطقة بأسرها، وهو ما لا يريده المستعمر. فعندما شرعت مصر في إنشاء منطقة التكامُل بين البلدين، لم يدم الأمرُ طويلاً، بل قُفل الحديث عنه تمامًا، وتم تجاهله إعلاميًّا بدون سبب، وأخذت العلاقات تتوتر تارة وتعود تارة أخرى، وبدلاً من التفكير في خير البلدين ومصلحتهما كانت اللقاءات التي تحدث لرأب الصدع، وتوقيع بروتوكولات تعاون جديدة، وقبل البدء في تنفيذها تحدث أزمة أخرى.
كان الهدفُ عزل السودان لحصار مصر، وتنفيذ الخطة، وهذا ما حدث: بَعُدت مصر عن السودان، وعن القارة الإفريقية بالكامل بعد الحادث الذي تعرَّض له الرئيس المخلوع مبارك في أديس أبابا في عام 1995م، وتلاشى الدور المصري وانسحب من القارة؛ ليحلَّ مَحله لاعبون جُدُد من الصهاينة والأمريكان أكثر من 15 عامًا، والقارة مفتوحة أمام الصهاينة والأمريكان بلا منازع، انتشرت المجاعات، واشتعلت الحروب؛ من أجل إضعاف أي قوة يمكن أن تعوق المخطط..
وبدأت عمليَّات مكثفة من التنصير، وكان تركيزهم على المناطق المسلمة، وكانت الأمَّة العربية والإسلامية في شغل؛ فقد أشغلونا جميعًا بالصراعات فيما بيننا، فأغروا العراق بدخول دولة شقيقة، وبدلاً من أن تسيل دماء أعدائنا سالت دماؤنا بأيدينا وأيادي الآخرين. وفي خضم تلك المعارك كانت معارك التقسيم مشتعلة في نيفاشا، وتم توقيعُ اتفاقية نيفاشا لتقرير مصير الجنوب أولاً، ثم تقطيع باقي الأوصال، ووجدت الحكومة السودانية نفسها وحيدة ومستهدفة، كما ظنَّ الساسة ذلك، بل إنَّها وجدت الجحافل الأمريكية تمر بجانبها من البحر الأحمر، وصولاً للمتوسط، ومرورًا بقناة السويس في أكبر الدول العربية، فوقَّعت السودان على اتفاقية نيفاشا 2005م، التي تقضي بالحكم الذاتي للجنوب خمس سنوات يعقبها استفتاء للبقاء جزءًا من السودان الموحد أو الانفصال.
ولا يخفى على أحدٍ أن الساسة السودانيِّين كانوا يعلمون قبل التوقيع أن الجنوب سينفصل، وأنَّ ثلث الدولة السودانية قد رحل.
لم يكن التوقيعُ في نيفاشا هو نهاية الصِّراع بين الشمال والجنوب، بل هو بداية النِّهاية لدولة السودان، فلم تحسم الاتفاقية التي تَمَّ التوقيعُ عليها أهمَّ القضايا، وهي الحدود والديون وانتقال الشماليِّين إلى الجنوب والعكس، وتقسيم الثروات وغيرها. فالبَدَهي في أي شعب يريد الانفصال عن الدولة الأم أن تكون البنود التي ذكرتها من أوائل الأشياء التي يناقشها، وإلاّ فأين الدولة؟ كان هذا سيحدث بشكل طبيعي في حالة أن الجنوب يتفاوض وفق أجندة وطنية، ولكنَّ الأمرَ كان بخلاف ذلك؛ فالمصالِحُ الأمريكية والصهيونية هي التي كانت تتفاوض، وعلى الآخرين الإذعان.
وقد يسأل البعض: وما مصلحةُ الصهاينة والأمريكان في أن تظلَّ تلك الملفات عالقة؟ ولكن مع بقاء تلك البؤرة متوترة رغم حصول الجنوب على الانفصال، وحرية الدولة الجنوبية في تكوين ما تراه من علاقات، ومع من تشاء، بل تُسلِّح نفسها كيفما تشاء، وتتفوق عسكريًّا على الدولة الأم التي لا تَملك مصادر الأسلحة نفسها، إضافةً إلى أن بقاء تلك الملفات مفتوحة - يساعد البؤر الملتهبة الأخرى في تحقيق الانفصال؛ نتيجة تشتت جهد الحكومة المركزية..
فالجنوب كان المحطة أو الورقة الأولى في ملف المنطقة، وعندما تندلع الحرب مرة أخرى بين الشمال والجنوب، لن تكون كالحروب السابقة بين دولة وإقليم متمرد من تلك الدولة، بل ستكون حربًا بين دولتين، فسابقًا كان الأمريكان والصهاينة يهربون الأسلحة عبر الدول المجاورة للمتمردين في الجنوب، أما اليوم فالأمر مختلف.
كلُّ هذا حدث ويحدث، وما زلنا في مصر، ومعظم الدول العربية والإسلامية تلعبُ دورَ المتفرج، رغم أن ألسنة النيران نشعر بحرارتها في غُرَف نومنا، فإذا تم تنفيذُ باقي مخطط التقسيم دون وقوف العرب والمسلمين في وجهه، فلن تصمدَ مصر، وستقسم وفقًا للمخطط المخيف الذي سربته بعض وسائل الإعلام إلى خمس دول.
إن الأمر خطير جدًّا، والحرب اليوم هي حرب عقيدة وبقاء، ولن يكون أحدٌ منا بمنأى عما يريد الصهاينة والغرب، حتى من تربطهم علاقات وثيقة بالغرب. أجراس الخطر تدق "الأمة ستضيع"، فهل من مجيب؟!! اللهم إني قد بلَّغت.
المصدر: شبكة الألوكة.
التعليقات
إرسال تعليقك