جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
مرت علاقة فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية بمرحلتين بارزتين، الأولى أواسط الستينيات حينما كانت فتح تعارض منظمة التحرير والثانية من العام 1969م وذلك في عهد
مرت علاقة فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية بمرحلتين بارزتين، الأولى أواسط الستينيات حينما كانت فتح تعارض المنظمة وتدعو إلى تغيير خطها الفكري ونهجها السياسي، والثانية بدءا من العام 1969م حتى الآن، حيث أصبح قادة فتح البارزون على رأس الهرم التنظيمي للمنظمة ولمعظم لجانها ومؤسساتها المهمة(1).
المرحلة الأولى.. فتح تعارض منظمة التحرير
سبقت منظمة التحرير الفلسطينية حركة فتح إلى الوجود بعام واحد، فالأولى ظهرت عام 1964م بناء على توصية صادرة عن مؤتمر القمة العربي الأول بالقاهرة، والثانية أعلنت عن نفسها (رسميا) مع أول عملية فدائية نفذها الجناح العسكري (العاصفة) عام 1965م داخل فلسطين المحتلة.
في تلك الفترة أبدت فتح رغبتها في التنسيق والتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية شريطة اعتراف الأخيرة بالخط الثوري لفتح وباعتماد العمل المسلح سبيلا لنيل الحقوق الفلسطينية، غير أن هذا الشرط لم يحظ بموافقة أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير.
وبعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967م واحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية والقدس الشرقية أصبحت شعارات فتح الثورية (كل البنادق نحو العدو، والأرض للسواعد الثورية التي تحررها) تحظى بقبول متزايد في الشارعين العربي والفلسطيني، وبات الجو مهيئا لكي تخطو فتح خطوتها التي رتبت لها منذ العام 1965م، فتحرك الأعضاء التابعون لها في المنظمة وأحدثوا جدلا واسعا داخل لجانها المختلفة، وتقدموا بمطالب تدعو إلى إعادة تقدير الموقف ومراجعة الذات واتخاذ ما يلزم إزاء المرحلة الجديدة التي دخلتها القضية الفلسطينية بعد تلك الهزيمة المريرة.
وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 1967م تقدموا بخطوة أبعد، فطالبوا صراحة بتنحية أحمد الشقيري وأصروا على ذلك.
حاول أحمد الشقيري معالجة الأمر لكنه لم يستطع واضطر للتخلى عن منصبه وتم تعيين يحيى حمودة وهو أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة رئيسا بالوكالة لحين انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.
بدأ في العام التالي (1968م) نجم ياسر عرفات يلمع في أفق السياسة الفلسطينية، حيث كان عرفات يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم حركة فتح، والحركة كانت كل يوم تكسب شعبية جديدة في الشارعين العربي والفلسطيني، ساعدتها على ذلك النتائج الإيجابية لمعركة الكرامة التي خاضتها ضد الاحتلال الصهيوني انطلاقا من الأراضي الأردنية.
في العام المذكور وبفعل نشاط العناصر الفتحاوية داخل لجان المنظمة وفي المجلس الوطني الفلسطيني تهيأ رأي عام سهل عملية اختيار ياسر عرفات رئيسا للمنظمة، وهو ما تحقق رسميا عام 1969م فأصبح منذ ذلك الحين الناطق الرسمي باسم حركة فتح هو رئيس منظمة التحرير ورئيس لجنتها التنفيذية ومجلسها العسكري.
ولم ينته العام حتى أعلن عن دخول حركة فتح في المنظمة بشكل رسمي واستطاعت أن تؤكد على نهجها الثوري في ميثاق المنظمة كما نص على ذلك البند الثامن.
المرحلة الثانية.. فتح داخل المنظمة
استقرت الأمور لفتح داخل منظمة التحرير الفلسطينية ومرت الأعوام إلى أن جاء مؤتمر القمة العربي بالرباط ليضيف مكسبا جديدا للمنظمة انعكس ضمنا على حركة فتح ذات النفوذ القوي داخلها، ففي العام 1974م خرج المؤتمرون في الرباط بقرار يعترف فيه بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، ومن ثم امتد نفوذ فتح إلى ما امتدت إليه يد المنظمة من تمثيل في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الأمم المتحدة (كعضو مراقب) ومن سفارات ومكاتب تمثيل في أكثر من 100 دولة.
استمرت علاقة فتح بمنظمة التحرير الفلسطينية على هذا المنوال منذ تلك الفترة حتى العام 1994م، وهو العام الذي أنشئت فيه السلطة الوطنية الفلسطينية وفقا لاتفاق أوسلو.
حمل قيادات المنظمة أمتعتهم متوجهين إلى الضفة وغزة ليباشروا عملهم تحت مسمى السلطة الوطنية الفلسطينية كأحد إفرازات أوسلو، وهنا تداخلت العلاقة بين فتح والمنظمة أكثر فأكثر بعد أن أضيفت لقياداتها أدوار جديدة، فأصبح القيادي في فتح يمارس دوره كقيادي في المنظمة وكأحد أركان السلطة الجديدة، فعلى سبيل المثال كان ياسر عرفات الأمين العام لحركة فتح هو رئيس المنظمة وهو أيضا رئيس السلطة الذي يجمع في يده صلاحيات رئيس الوزراء ووزير الداخلية والمالية (استمرت هذه الصلاحيات بحوزته حتى العام 2003م حينما أجبر عن التخلي عن بعضها أثناء حصاره في المقاطعة).
وأثناء وجود عرفات في باريس عام 2004م للعلاج من مرض الموت الذي توفي بسببه اختير محمود عباس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1996م رئيسا لمنظمة التحرير، ثم رئيسا للسلطة الفلسطينية، وهو الوضع المستمر حاليا.
العلاقة إذن بين فتح والمنظمة متداخلة ومتشابكة كما اتضح، ولذلك بدأت الأصوات تتعالى لإعادة النظر في هذه العلاقة حتى تصبح المنظمة بيتا لكل الفصائل والتيارات الفلسطينية وحتى تتوزع مناصبها القيادية وفقا للقوى الشعبية لهذه الفصائل في ميدان الحضور الجماهيري المتغير باستمرار، وهو أمر إذا ما تحقق فسوف ينعكس على علاقة تاريخية ربطت بين فتح والمنظمة بشكل معين استمرت لما يزيد عن 35 عاما.
(1) محمد عبد العاطي: فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، موقع المعرفة – الجزيرة نت.
التعليقات
إرسال تعليقك