الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يعرض مقال حدائق الحيوان في بغداد فصلًا من فصول الحضارة الإسلامية، وهو ظهور حدائق الحيوان فيها قبل الغرب بنحو ألف عام، ويعرض كذلك لاسمها في ذلك الوقت،أهم مقتطفات المقال
ومن حدائق بغداد المشهورة بحيواناتها: حديقة الوزير ابن مقلة التي بناها بالزاهر على دجلة، وهي من أكبر حدائق الحيوان ببغداد، وكانت تتكون من عدَّة أجربة من الشجر بلا نخل، عمل له شبكة إبريسم، وكان يُفرِّخ فيه الطيور التي لا تُفرَّخ إلَّا في الشجر؛ كالقماري والدباسي والهزار والبيغ والبلابل والطواويس والقبج، وكان فيه الغزلان والبقر البدويَّة والنعام والأبل وحُمُر الوحش.
أطلق العرب والمسلمون على حدائق الحيوان اسم "الحَيْر"، وكان العرب قد عُنوا بمثل هذه الحدائق في مدنهم قبل الغرب بنحو ألف سنة.
حديقة حيوان الخليفة هشام بن عبد الملك
فقد أنشأ الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك (105-125هـ=724-743م) في ديار الشام (حَيْرًا) تبلغ مساحته تسعة كيلومترات مربعة، وسوَّره بسورٍ لحصر الوحوش داخله؛ فقد ضم هذا الحَيْر: الخيل والبغال والحمر، والغزلان، والأرانب، والأوز، والدجاج، والحمام.. إلخ.
حديقة حيوان الخليفة الأمين بن الرشيد
وكان للخليفة الأمين بن الرشيد ببغداد جماعةٌ خاصَّةٌ يركبون البغال، يصطادون له الأسود ويضعونها في أقفاص ثم ينقلونها إلى قصره، وقد وجَّه الأمين إلى جميع البلدان في طلب الوحوش والسباع والطير، ومن شغفه بالحيوانات أنَّه عَمِل خمس حرقات -أي خمس سفن- في دجلة على خلقة الأسد والفيل والحيَّة والفرس والدُّلْفِين، وكان الأمين يتردَّد كثيرًا على حير الوحوش.
واشتهرت بغداد ومن بعدها سامرَّاء بمثل هذه الحدائق، وبُنيت لها الساحات الكبيرة، وأُعدَّت فيها أبراج الحمام والطيور وحظائر الحيوانات والوحوش، وأقفاص الضواري والحيَّات والعقارب والسباع والأسود.
حديقة حيوان الخليفة المقتدر بالله العباسي
وكان الخليفة المقتدر بالله العباسي مولعًا بتربية الحيوانات الأليفة والوحشيَّة والضارية كالأسود والفهود والنمور، وقد جمع عددًا كبيرًا من الطيور والحيوانات والسباع واتَّخذ لها "حيرًا" في دار الخلافة ببغداد، ويذكر المؤرِّخون أنَّه كان فيها أصناف الوحوش من كلِّ صنفٍ في مكان خاص، فكان فيها أربعة فيلة، وفي دارٍ أخرى مئة سَبُع كل سَبُع في يد سبَّاع، وفي رءوسها وأعناقها السلاسل والحديد، وفي مكانٍ آخر فيلة وسباع أخرى وكذا الزرافات والفهود.
ويظهر أنَّه كان عند قصر الثريَّا ببغداد "حير" للحيوان؛ فقد جاء في تجارب الأمم أنَّ الفرسان تمرَّدوا في سنة 315هـ، وخرجوا إلى "المصلى" فنهبوا القصر المعروف بالثريَّا، وذبحوا الوحش الذي في الحير.
كما أنَّه كان يجلب إلى بغداد غرائب المخلوقات؛ فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أنَّ رسولًا من كرمان جاء إلى معزِّ الدولة وحمل الحمار المخطَّط والرجل الذي كان طوله سبعة أشبار، والرجل الذي كان طوله شبرين.
حديقة حيوان بن مقلة
ومن حدائق بغداد المشهورة بحيواناتها: حديقة الوزير ابن مقلة التي بناها بالزاهر على دجلة، وهي من أكبر حدائق الحيوان ببغداد، وكانت تتكون من عدَّة أجربة من الشجر بلا نخل، عمل له شبكة إبريسمإبريسم، وكان يُفرِّخ فيه الطيور التي لا تُفرَّخ إلَّا في الشجر؛ كالقماري والدباسي والهزار والبيغ والبلابل والطواويس والقبج، وكان فيه الغزلان والبقر البدويَّة والنعام والأبل وحُمُر الوحش.
وقد بُشِّر ابن مقلة يومًا بأنَّ طائرًا بحريًّا وقع على طائرٍ بريٍّ فازدوجا وباضا وأفقسا، فأعطى من بشَّره بذلك مائة دينار.
وقد كانت هذه الحديقة على شكل بستانٍ عظيم مربع الشكل، وقد عمل في حائطه بيوتًا تأوى إليها الطيور وتفرخ، ثم أطلق القماري والدباسي والنوبيات والبلابل والقبج والطواويس والشحارير والزيارب والهزار والفواخت، والطيور التي كانت تُجلب من أقصى البلاد من المصوتة ومن المليحة الريش ممَّا لا يكسر بعضه بعضًا، فتوالدت وتوارث منها أجناس مختلفة، ثم عمد إلى باقي الصحن فطرح فيه الطيور حتى لا تطير، كالطواويس والحجل والبط، وعمل منطقة أقفاص فيها فاخر الطيور، وجعل من خلف البستان الغزلان والنعام والإبل وبقر الوحش وحميره وغير ذلك من غرائب الحيوانات، وكان لكلِّ صحنٍ أبواب تنفتح إلى الصحن الآخر فيرى في مجلسه سائر ذلك.
_____________________
المصدر: ناجي معروف: فصول من حضارة بغداد، مجلة المورد، مجلد(1)، العدد 3-4، بغداد، 1972م".
التعليقات
إرسال تعليقك