التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
استلم السلطان سليم الثاني الحكم في ظروف هادئة. لم تحدث عند استلامه للعرش الاضطرابات التي حدثت في عهد السلاطين السابقين.
القصور الذاتي للقوة المفرطة
عندما تصل الإمبراطوريات الكبرى إلى أحجام مخيفة يصبح تضخمها بعد ذلك ذاتيًّا دون مجهودٍ كبير؛ بل قد يتولى قيادتها زعماء ضعفاء، أو على الأقل ليسوا بكفاءة المؤسِّسين؛ ولكن لا يظهر أثرٌ لذلك على الساحة العالميَّة. إن المنافسين الأقوياء يُدركون أن قوَّة الإمبراطوريَّة لا تكمن في قائدها فقط؛ إنما في إدارتها، وجيشها، واقتصادها، وعلاقاتها، وأمورٍ أخرى كثيرةٍ تتحكَّم في تقييم وضع الإمبراطوريَّة في المراحل التاريخيَّة المختلفة. هذا ما أُسمِّيه بالقصور الذاتي للقوَّة المفرطة! إن القوَّة المفرطة التي وصلت إليها الدولة في مرحلةٍ من مراحل تاريخها تدفعها دون جهدٍ إلى الانتصار في بعض المعارك، وتحقيق بعض النجاحات، والتوسُّع في المساحة، مع أن القوَّة الفعليَّة للدولة لم تعد على الدرجة نفسها التي كانت عليها منذ سنوات، وبالطبع سيقف هذا القصور الذاتي الدافع للحركة بعد قَدْرٍ من الوقت يتناسب مع القوَّة التي كانت قد وصلت إليها الدولة.
هذا ما حدث مع الدولة العثمانية بعد وفاة السلطان القوي سليمان القانوني. إن مَنْ جاء من بعده لم يكونوا في مستواه قط، ولا قريبين منه؛ ومع ذلك ظلت الدولة تنتصر وتتوسَّع، وهو ما لن يحدث في العقود اللاحقة حتى مع توفُّر سلاطين أقوى من الذين جاءوا في هذه المرحلة، والسبب هو القصور الذاتي للقوَّة المفرطة! استمر هذا القصور الذاتي قرابة الثلاثين سنة؛ من عام 1566 إلى عام 1595م؛ أي تتمَّة القرن السادس عشر، وهو ما يُعرف بالقرن العظيم للدولة العثمانية، وهي فترة حكم السلطانين سليم الثاني، ومراد الثالث، وبعدهما سيتوقَّف التوسُّع لانتهاء القصور الذاتي، وإن كانت قوَّة الدولة ستظلُّ ثابتةً ما يقرب قرنًا كاملًا بعد ذلك؛ أي في القرن السابع عشر كلِّه، وهذا للقوَّة المفرطة التي وصلت إليها الدولة في عهود الفاتح، وبايزيد الثاني، وسليم الأول، ثم سليمان القانوني.
تولية السلطان سليم الثاني (1566- 1574م)
استلم السلطان سليم الثاني الحكم في ظروفٍ هادئة. لم تحدث عند استلامه للعرش الاضطرابات التي حدثت في عهد السلاطين السابقين، اللهمَّ إلا من بعض القلاقل التي أثارها جنود الإنكشارية، والتي ما لبثت أن انقشعت[1]. كان السِّرُّ في هذا الهدوء هو اختفاء المنافسين! فقد كان سليم الثاني هو الابن الوحيد الباقي على قيد الحياة بعد وفاة الأب سليمان القانوني[2]؛ ولذلك، وعلى الرغم من ضعفه، نرى أنه تسلَّم الحكم في ظروفٍ جيِّدة.
كان السلطان سليم الثاني في الثانية والأربعين من عمره، وعلى الرغم من قيادته لولايات قرمان، ومانيسا، وكوتاهية، ما يزيد على خمسةٍ وعشرين عامًا[3]، وعلى الرغم من خروجه في عدَّة حملاتٍ همايونيَّةٍ مع أبيه سليمان القانوني، فإنه كان يفتقر إلى كثيرٍ من المهارات القياديَّة والعسكريَّة[4]. إنه أول سلطانٍ عثمانيٍّ يُقرِّر عدم الخروج بنفسه مطلقًا إلى أيِّ حملةٍ عسكريَّة! وبذلك هو الأول الذي لم يحصل على لقب «غازي»، والذي لا يُعطَى في البرتوكول العثماني إلا إلى السلطان الذي جاهد بنفسه في المعركة.
والسلطان سليم الثاني هو الأوَّل الذي رضخ للإنكشارية، فكان أضعف منهم، ولم يقم بردِّ فعلٍ مناسبٍ عندما منعوه من دخول إسطنبول بعد اعتلائه للعرش إلا بعد أن زاد في أعطياتهم ورواتبهم[5]، وهي سابقةٌ خطرةٌ للغاية، كان لها تبعات، ليس على فترة حكم سليم الثاني فقط؛ ولكن على التاريخ العثماني كلِّه! ومن هذا التاريخ ستُصبح الإنكشارية -التي كانت أحد أهم أسباب تفوُّق الدولة العثمانية- أحد أكبر معاول هدم الدولة ذاتها! والسلطان سليم الثاني هو أول سلطان يترك قيادة الدولة الفعليَّة للصدر الأعظم والوزراء؛ بل سمح بتدخُّل زوجته نوربانو سلطان Nurbanu Sultan، في أمور الحكم والسياسة، وهذه الزوجة من أصولٍ بندقيَّةٍ[6]، أو يونانيَّة[7]، وبعضهم يفترض أنها يهوديَّة[8][9]، فكان تدخُّلُها هذا سابقةً لها تبعات في العقود التالية.
والسلطان سليم الثاني هو أول سلطان عثماني يُشْتَهر عنه أنه «مدمنٌ للخمر»[10]! شربها قبل ذلك بايزيد الأول (الصاعقة)؛ لكن صفة «الإدمان» التصقت بسليم الثاني، وهذا عجيبٌ لرجلٍ يجلس على قمَّة دولةٍ إسلاميَّةٍ جهاديَّة، تُطبِّق الشريعة الإسلاميَّة، وتحرص على سَمْتِها الديني؛ بل سيكون لها مواقف مشرِّفة في عهده هو نفسه تجاه القضايا الإسلاميَّة للأمَّة بشكلٍ عام؛ لكن هكذا جرت الأمور!
من أهم الأسباب التي حفظت للدولة العثمانية هيبتها -على الرغم من ولاية هذا السلطان للحكم- قوَّة الجيش والاقتصاد، بالإضافة إلى النظام الإداري المحكم الذي تركه سليمان القانوني، والذي كفل حركيَّةً ذاتيَّةً للدولة، حفظتها من الاضطراب والزيغ. يُضاف إلى ذلك إقرار سليم الثاني للصدر الأعظم الكفؤ محمد صوقللو باشا في منصبه بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، وكان محمد صوقللو باشا قد تقلَّد هذا المنصب في عام 1565م، وهو من أبرع الصدور العظام في كلِّ تاريخ الدولة العثمانية، وهذا حافظ على بقاء الدولة العثمانية قويَّةً في وجه أعدائها، ومتماسكةً كذلك في الداخل. ولم يكن محمد صوقللو باشا هو الشخصيَّة الوحيدة القوية في الإدارة العثمانيَّة؛ بل حفلت هذه الإدارة بنماذج أخرى مشرِّفة؛ مثل مصطفى لالا باشا، وهو من كبار الوزراء، ومن عائلة صوقللو باشا، ومثل سنان باشا والي مصر القوي، ومثل مؤذن زادة قائد البحرية، وغيرهم، وهذا كله نتاج العمل الإداري العظيم الذي قام به السلطان السابق سليمان القانوني.
حقَّقت الدولة العثمانية نجاحات جيِّدة في عهد سليم الثاني، ووقفت مواقف مشرِّفة تجاه المسلمين في إندونيسيا، وروسيا، والأندلس، وتونس، وحقَّقت انتصارات مهمَّة على البندقية وإسبانيا، وعقدت عدَّة معاهدات مؤثِّرة مع النمسا، والصفويِّين، وفرنسا، ثم البندقية. نعم حدثت لها بعض الإخفاقات العسكريَّة؛ لكنَّها لم تكن مؤثِّرة؛ بل على العكس أثبتت الدولة العثمانيَّة في هذه الأزمات أنها قادرةٌ على التعامل مع الأمور بحكمةٍ لتخرج بأقلِّ الخسائر، أو لتستردَّ عافيتها بسرعة. إننا يمكن أن نتناول أهمَّ الأحداث في حياة سليم الثاني تحت العناوين التالية مراعين قدر الإمكان الترتيب الزمني للأحداث.
المساعدة العسكرية لإندونيسيا (1567م):
استهلَّ السلطان سليم الثاني حكمه بعملٍ نبيل، وهو الاستجابة لاستغاثة سلطان المسلمين في إقليم آتشيه الإندونيسي، والذي طلب العون قبل ذلك من سليمان القانوني، وجدَّده في عهد السلطان سليم الثاني، وكان الهدف هو مقاومة الاعتداء البرتغالي على هذه الأقاليم الإسلامية. أرسلت الدولة العثمانيَّة حملةً عسكريَّةً إلى جزيرة سومطرة الإندونيسيَّة في عام 1567، مكوَّنةً من خمس عشرة سفينةً حربيَّة، بالإضافة إلى سفينتي نقل، وكانت تحت قيادة الصدر الأعظم صوقللو باشا[11]، وقدَّمت الدعم النافع للمملكة الإسلاميَّة، وكان من نتيجة هذا العمل أن عقد سلطان آتشيه معاهدةً مع الدولة العثمانية أقرَّ فيها بالتبعيَّة للسلطان العثماني، كما حمت هذه المساعدات تلك المناطق من الغزو البرتغالي لفترة[12].
مقاومة اضطرابات اليمن: (1567-1570م)
كانت اليمن على عهدها في الاضطرابات المستمرَّة، والثورات الدائمة، ولم تَصْفُ قط للعثمانيِّين، وبعد وفاة القانوني تجدَّدت القلاقل، وانقلب المطهر بن يحيى إمام الزيديِّين على الدولة العثمانية، وسيطر على صنعاء في 9 أغسطس 1567م، وبعدها سيطر على مخا، وتعز، وعدن[13]، ولم يبقَ في يد العثمانيِّين من الولاية الجنوبيَّة إلا زبيد. اضطر العثمانيون بعد أن تقلَّصت أملاكهم في اليمن إلى حدٍّ كبير إلى توحيد ولايتي اليمن في ولايةٍ واحدة، وأرسل سليم الثاني في 1568م واليًا جديدًا على اليمن الموحَّد هو عثمان باشا[14]، الذي استطاع أن يستعيد مخا وتعز، وأن يُثَبِّت سيطرة الدولة العثمانية نسبيًّا، غير أنه احتاج إلى مددٍ جديد، فأمدَّه السلطان بوالي مصر القوي سنان باشا، الذي استطاع استرجاع عدن في مايو 1569م، ثم صنعاء في يوليو من السنة نفسها، واضطر الإمام الزيدي إلى الرضوخ للصلح، والإقرار بسيادة الدولة العثمانية، وكان هذا في آخر عام 1570[15] لتهدأ أزمة اليمن، ولو بشكلٍ مؤقَّت.
تجديد الهدنة مع الدولة الصفوية (1567م):
في شتاء 1567م جُدِّدت اتفاقيَّة الهدنة المبرمة بين الدولتين العثمانية والصفوية منذ عام 1555م[16]؛ ممَّا يعني أن شاه إيران طهماسب الأول لم يرَ ضعفًا في الجانب العثماني بعد وفاة القانوني. لم تتحدَّث المصادر عن أيِّ اضطراباتٍ على الجبهة الصفوية طوال فترة حكم سليم الثاني.
إقرار النمسا بدفع الجزية إلى الدولة العثمانية: (1568م)
في 26 أغسطس 1567م أرسل إمبراطور النمسا ماكسيميليان الثاني مبعوثَين إلى إسطنبول لإجراء مباحثاتٍ بشأن إقرار السلام بين الإمبراطوريَّتين الكبيرتين النمسا والعثمانية. استمرَّت المباحثات أكثر من خمسة أشهر، وكان المفاوض من الطرف العثماني هو الصدر الأعظم صوقللو باشا. في 17 فبراير عام 1568م وُقِّعت معاهدة سلام بين الطرفين في مدينة إدرنة العثمانية[17]، وهي المعاهدة التي أقرت السلام بين الدولتين لما يقرب من خمسةٍ وعشرين عامًا. في هذه المعاهدة أقرَّ الإمبراطور النمساوي بدفع جزيةٍ سنويَّةٍ إلى الدولة العثمانية قيمتها ثلاثون ألف دوكا ذهبيَّة، وأقرَّ كذلك بتبعيَّة ترانسلڤانيا والإفلاق الرومانيَّتين، وكذلك البغدان، للدولة العثمانية؛ وذلك في مقابل أن يوقف العثمانيون حربهم ضدَّ النمسا، ويعترفوا بسيادة الإمبراطور النمساوي على الشمال الغربي للمجر[18][19][20]. تُعتبر هذه المعاهدة دليلًا واضحًا على مسألة القصور الذاتي للقوَّة المفرطة؛ إذ إن موت السلطان القوي سليمان القانوني وولاية ابنه الضعيف سليم الثاني لم تترك أيَّ أثرٍ على الأحداث السياسيَّة، فلم تستغل النمسا الحدث؛ إنما وقَّعت هذه المعاهدة التي يبرز فيها بوضوح التفوُّق العثماني.
تجديد المعاهدة مع فرنسا: (1569م):
من علامات قوَّة الدولة العثمانية في هذه الفترة سعي فرنسا لتجديد المعاهدة والتحالف مع العثمانيين، وكانت المعاهدة السابقة بين الدولتين قد أُبرمت عام 1535م في زمن سليمان القانوني وفرنسوا الأول؛ لكن بموت فرنسوا الأول Francis I -الذي كان مهتمًّا بالتعاون مع الدولة العثمانية- في 1547م فترت العلاقة بين الدولتين. في 1560م تولَّى شارل التاسع Charles IX حكم فرنسا وهو في العاشرة من عمره تحت وصاية أمِّه[21]. كانت فرنسا في ذلك الوقت في صدامٍ شديدٍ مع إسبانيا، وإنجلترا، وكذلك مع البابا، فلم يجد شارل التاسع بُدًّا من تجديد أواصر الصداقة والتحالف مع الحليف القوي: الدولة العثمانية. بعد مفاوضاتٍ مطوَّلةٍ في إسطنبول وُقِّعت معاهدة صداقة بين الدولتين في 1569م.
في هذه المعاهدة أعطت الدولة العثمانية عدَّة امتيازات لفرنسا؛ كان منها بعض الحقوق التجاريَّة، ومنها إعفاء الرعايا الفرنسيِّين في الدولة العثمانية من الضرائب[22]، ومنها السماح لفرنسا بالتواصل مع المسيحيِّين في الأقطار العثمانية، ومنها إعطاء فرنسا الحقَّ في منح رايتها لبعض السفن الأوروبية لتدخل إلى البحر الأبيض فتُعَامَل من قبل السلطات العثمانية كسفنٍ فرنسيَّة، ومنها دفاع البحرية العثمانية عن السفن الفرنسية في البحر الأبيض. إن كلَّ هذه المنح والامتيازات لم تكن تُمثِّل عبئًا على الدولة العثمانية؛ بل كانت هي في الموقف الأقوى الذي يحمي فرنسا من القوى المختلفة في البحر الأبيض، وفي أوروبا؛ بل اتَّفق الطرفان العثماني والفرنسي على ترشيح هنري Henry شقيق ملك فرنسا شارل التاسع لولاية عرش اتحاد بولندا وليتوانيا، وسوف يُقرُّ هذا الملك الجديد بتبعيَّته للدولة العثمانية[23]؛ وذلك لتقوية هذه الجبهة ضدَّ النمساويِّين أعداء العثمانيِّين والفرنسيين معًا، فكان هذا في صالح الدولة العثمانية بلا شك. يظهر فقط عيبٌ واضحٌ في هذه المعاهدة؛ وهي أنها لم تكن مرهونةً بحياة الزعماء الذين وقَّعوها، ولا مرهونةً بفترةٍ زمنيَّةٍ معيَّنة، ولم يظهر أثرٌ لهذا العيب في المستقبل القريب؛ ولكن مع مرور الوقت، وضعف الدولة العثمانية لاحقًا، وقوَّة الدولة الفرنسية المتزايدة، استغلَّت فرنسا هذه البنود في التغلغل في الكيان العثماني، والتواصل المباشر مع نصارى الدولة العثمانية، وخاصَّةً في الشام؛ ممَّا أسهم في انهيار الدولة العثمانية بعد ذلك. لم يكن هذا الخطأ فادحًا في هذا التوقيت لقوَّة الدولة العثمانية؛ ولكنَّه كان خطأً دبلوماسيًّا في حرفيَّة كتابة المعاهدات، وكان من الممكن ألا يكون له أثرٌ لولا تغيير موازين القوى بعد هذه المعاهدة بعشرات السنين، وهذا في الواقع أمرٌ طبيعيٌّ في حياة الأمم.
حملة أستراخان: (1569م)
وقعت إمارة أستراخان التتريَّة المسلمة في يد الروس عام 1556م، ولم يكن لسليمان القانوني جنودٌ في هذه المناطق الشرقيَّة؛ ولكنَّه كان يعتمد على الجنود القرميِّين في مواجهة روسيا، ولما كانت الإمارات التتريَّة بشكلٍ عامٍّ تعيش في فترات ضعفها الأخيرة، لم يستطع أحدٌ أن يُقدِّم الدعم لهذه الإمارة، فضاعت لصالح الروس، ولم يكن ضياعها مؤثِّرًا على سكَّانها فقط؛ بل أثَّر ذلك على بقاعٍ إسلاميَّةٍ كثيرةٍ تقع شرق أستراخان؛ حيث مثَّلت هذه الإمارة بعد احتلالها حاجزًا يحول بين مسلمي وسط آسيا؛ في خوارزم، وبخارى، وسمرقند. ممَّا أعاق طرق التجارة، وكذلك منع الحُجَّاج المسلمين الآسيويِّين من الوصول إلى الحجاز. قرَّر سليم الثاني إرسال حملةٍ عسكريَّةٍ لفتح مدينة أستراخان، والسيطرة على المناطق المحيطة بها، خاصَّةً بعد أن وصلته استغاثات من أمراء بخارى وسمرقند تشتكي من اختطاف الحُجَّاج المسلمين من الشاه الإيراني طهماسب الأوَّل، وكذلك من القيصر الروسي إيڤان الرابع[24]. كان هدف الحملة العسكريَّة مزدوجًا؛ فهي تهدف إلى السيطرة العسكريَّة على أستراخان، وكذلك إلى حفر قناةٍ تصل نهري الدون Don (الذي يصب في البحر الأسود) والڤولجا Volga (الذي يصب في بحر قزوين)؛ ومِنْ ثَمَّ تصل بحر قزوين بالبحر الأسود، وهذا سيُسهِّل حركة انتقال التجار، وكذلك الحجاج، من وسط آسيا إلى الدولة العثمانية[25].
كان الهدف طموحًا، وجهَّز له سليم الثاني جيشًا من ثمانيةٍ وعشرين ألف مقاتل، ومعهم ثلاثون ألفًا من القوَّات التتريَّة القرميَّة المساعدة، بالإضافة إلى جيشٍ من عمَّال الحفر لتنفيذ مشروع القناة. -أيضًا- حاصر الأسطول العثماني ميناء آزوڤ لتسهيل عمليَّة نقل الجنود والعمَّال[26]. كان هذا هو الصدام العسكري الأوَّل بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، وهو ما عُرِفَ في التاريخ بالحرب التركية الروسية الأولى، وهي حربٌ مهمَّةٌ تاريخيًّا مع صغر حجمها؛ لأنها كانت مقدِّمةً لسلسلةٍ طويلةٍ من الحروب بين الدولتين (اثنتا عشرة حربًا كبيرة) لم تنتهِ إلا في أوائل القرن العشرين بالحرب العالمية الأولى! أي ما يزيد على ثلاثة قرونٍ من الحروب، والحقُّ أن معظم هذه الحروب كانت لصالح الروس، وبذلك يُعتبر الروس من أشدِّ القوى ضراوةً في إسقاط الدولة العثمانية، ولم يكن هذا عمل أحد القياصرة بمفرده، أو أثناء حقبةٍ معيَّنةٍ من التاريخ؛ إنما كان منظومةً متكاملةً من الصراع استمرَّت ثلاثمائةٍ وخمسين سنةً متَّصلة (من 1569 إلى 1918م)! لم تختلف هذه الحرب الأولى -التي حدثت في عام 1569م- عن الحروب التي تلتها كثيرًا؛ فقد حقَّق فيها الروس النصر على العثمانيين[27]؛ وذلك نتيجة عدَّة عوامل؛ منها بُعد المسافة عن القواعد الأساسيَّة للدولة العثمانية، ومنها الاختلافات العسكريَّة والإداريَّة التي قامت بين الجيش العثماني التركي وقوَّات القرم التتريِّين، ومنها ضعف شخصيَّة قائد الجيش قاسم باشا، وهو أصلًا وزيرٌ للماليَّة وليس عسكريًّا احترافيًّا، ومنها برودة الطقس الشديدة التي أدَّت إلى تجمُّد عددٍ كبيرٍ من أفراد الجيش العثماني أثناء انسحابهم.
وعلى الرغم من هذه الهزيمة العسكريَّة للعثمانيين فإن سفراء القيصر الروسي أتوا إلى إسطنبول في أوائل 1570م يعرضون استئناف علاقة الصداقة بين الروس والعثمانيين، وتوصَّل الطرفان إلى عقد اتِّفاق سلام[28]. كان الاتفاق يقضي بفتح الروس للطريق لحُجَّاج شرق آسيا المسلمين، كما يتضمَّن تدمير الروس لقلعتهم الاستراتيجيَّة المبنيَّة على نهر تيريك Terek river (في الشيشان الآن)، والتي تُمثِّل تهديدًا للدولة العثمانية[29]. يبدو أن الروس تباطئوا في تدمير القلعة أو تعرَّضوا للحُجَّاج المسلمين، فقرَّر السلطان سليم الثاني دعم حملاتٍ انتقاميَّةٍ لردع الروس؛ فمدَّ في ربيع 1571م تتار القرم المسلمين بفرقةٍ كبيرةٍ من الجيش العثماني والإنكشارية[30]، واستطاع المسلمون دخول موسكو نفسها في 24 مايو[31]. أُحْرِقت المدينة بالكامل تقريبًا، ولم يبقَ فيها سليمًا إلا مبنى الكرملين. غنم الجيش المسلم خزينةَ القيصر، وفرَّ الجيش الروسي، وقُتِل منه ثمانية آلاف. كرَّر القرميُّون بمساعدة السلطان سليم الثاني الحملة على روسيا في عام 1572م، وعبروا نهر أوكا Oka river، ووصلوا إلى حوالي مائة كيلو متر جنوب موسكو. اهتزَّ القيصر الروسي لذلك، وسعى للصلح، الذي تمَّ بالفعل مع دفع روسيا جزيةً سنويَّة[32]. اضطرَّت روسيا -أيضًا- إلى تدمير قلاعها على نهر تيريك ارضاءً للدولة العثمانية[33]. كان هذا يعني أن روسيا كانت ترى الدولة العثمانية قويَّةً بالصورة التي لا تُحبُّ استفزازها في هذه المرحلة من تاريخها، ولقد ظلَّت هذه العلاقة سلميَّةً ما يزيد على قرنٍ من الزمان بعد هذا الصلح؛ ممَّا أعطى الدولة العثمانية الفرصة للحفاظ على ممتلكاتها في القرن السابع عشر كلِّه. يبدو لي أن هذا الهدوء الروسي خدع الدولة العثمانية فلم تُعطِ للإمبراطورية الروسية قدرها، ولم تقف الدولة وقفةً حاسمةً بعد ذلك تجاه توسُّعات الروس، وتعدِّيَّاتهم على الإمارات المسلمة في جنوب روسيا، وحين انتبهت الدولة العثمانية لخطر الروس كان الوقت قد فات، وصارت الإمبراطورية الروسية من أشرس القوى في العالم، ومن أشدِّها خطرًا!
فتح قبرص: (1570-1571م)
هذا هو أحد أهمِّ إنجازات السلطان سليم الثاني. كانت قبرص تابعةً لجمهوريَّة البندقية منذ عام 1489م[34]، وكانت تُمثِّل خطرًا كبيرًا على الملاحة العثمانية، لقرب قبرص من الشواطئ الأناضولية، والشامية، وكذلك المصرية، فكان وجودها في يد أحد أكبر أعداء العثمانيين في التاريخ -البنادقة- أمرًا غير مقبولٍ من الناحية العسكريَّة والاستراتيجيَّة. كان الصدر الأعظم صوقللو باشا معارضًا لفكرة فتح قبرص[35] لأنه كان يخشى من تهييج القوى الأوروبِّيَّة ضدَّ الدولة العثمانية، وهذا قد يُؤدِّي إلى فشل عمليَّة الفتح؛ لكن قراءة السلطان سليم الثاني، ومعه أميرالات الجيش البحري، كانت أفضل؛ حيث رأوا أن الفرصة مواتيةٌ نظرًا إلى انشغال الأطراف الأوروبية بأنفسها في هذا التوقيت؛ ومِنْ ثَمَّ لا يُتوقَّع منهم مساعدة البندقية. كانت النمسا قد عقدت اتفاقيَّة صلحٍ مع العثمانيين ولا ترغب في نقضها، وكانت فرنسا كذلك متحالفةً مع العثمانيين ولن تدعم البندقية حليفة النمسا، وكانت إنجلترا البروتستانتيَّة لا ترغب في دعم البنادقة الكاثوليك، أمَّا الإسبان فلا شَكَّ أنهم سيرغبون في حرب الدولة العثمانية؛ ومع ذلك فالبندقية نفسها لن ترغب في استقدامهم لمساعدتها لخشيتها من التواجد الإسباني في شرق البحر الأبيض؛ ممَّا سيُمثِّل منافسةً تجاريَّةً للبندقيَّة لا ترغب فيها. الوحيد الذي كان متوقَّعًا أن يتحمَّس لعون البندقية كان البابا بيوس الخامس Pius V؛ ومع ذلك فهو بمفرده لن يقوى في الأغلب على فعل شيء. شجَّعت هذه القياسات السلطان سليم الثاني على إخراج جيشٍ كبيرٍ لفتح قبرص. خرج أسطول عثماني عظيم تحت إمرة بيالي باشا، ومعه جيشٌ برِّيٌّ كبيرٌ تحت إمرة مصطفى لالا باشا، وكان مجموع الجيشين مائة ألف مقاتل[36]، دخل الأسطول العثماني ميناء لارنكا Larnaca المهم في 3 يوليو 1570م، وفي يوم 25 يوليو بدأ العثمانيون في حصار العاصمة نيقوسيا Nicosia، وهي المركز الرئيس لجزيرة قبرص[37].
كانت عمليَّات القصف والقتال قد بدأت منذ اللحظات الأولى لوصول الجيش العثماني، وفي 9 سبتمبر 1570م سقطت نيقوسيا في يد العثمانيين[38]، وبعدها بأيَّامٍ فُتحت ليماسول Limassol ولارنكا. لم يبقَ في قبرص إلا أحصن قلاعها، وهي فاماجوستا Famagusta. لم يستطع العثمانيون فتحها في هذه الحملة، وإن ظلَّ مصطفى لالا باشا محاصرًا لها. عاد معظم الجيش العثماني بعد هذا الجزء من العمليَّة إلى إسطنبول لقضاء الشتاء. في أوائل عام 1571م خرج الأسطول العثماني إلى المياه الإيطاليَّة لمنع وصول المدد منها إلى قبرص، واستأنف الجيش العثماني قصفه وحصاره لفاماجوستا. سقطت هذه القلعة الحصينة في يد الجيش العثماني في أوَّل أغسطس 1571م[39]. لم يكن الثمن يسيرًا إذ تُقدِّر بعض المصادر شهداء العثمانيِّين وجرحاهم في هذا الفتح بخمسين ألف جندي[40]! ومع أن الرقم يبدو مبالغًا فيه إلا أنه من المؤكَّد أن الخسائر كانت كبيرة. فُتِحت بذلك الجزيرة بكاملها، وتحوَّلت إلى الحكم العثماني، وهو الوضع الذي سيستمر إلى عام 1878م؛ أي ما يزيد على ثلاثمائة سنة. كان الشعب القبرصي في معظمه أرثوذكسيًّا، وكان يُعَامَل بطريقةٍ فظَّةٍ من الحكَّام الكاثوليك[41] الذين حكموا الجزيرة عدَّة قرون (حكام بيت المقدس، ثم البنادقة)؛ ومِنْ ثَمَّ كان الفتح العثماني نجدةً لهم؛ إذ أعطاهم العثمانيون كامل الحقوق الدينيَّة والمدنيَّة، وعاشوا فيما عُرِفَ في هذا الزمن بالسلم العثماني. هجَّرت الدولة العثمانية عددًا كبيرًا من الأتراك المسلمين إلى الجزيرة[42] لتغيير التركيبة السكانيَّة بما يسمح بتوفير الأمن القومي والاستراتيجي لها. لم تستطع البندقية بمفردها أن تستردَّ قبرص، وإن كانت هذه الكارثة الكبيرة سببًا -كما توقَّع صوقللو باشا- في تجمُّع عدَّة قوى أوروبية لمواجهة الدولة العثمانية، وهذا ما نتج عنه معركة ليبانتو البحريَّة الشهيرة[43].
[1] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م.صفحة 119.
[2] 96. شيمشيرغيل، أحمد: سلسلة تاريخ بني عثمان، ترجمة: عبد القادر عبداللي، مهتاب محمد، ثقافة للنشر والتوزيع، أبو ظبي-بيروت، الطبعة الأولى، 1438هـ=2017م، صفحة 4/406.
[3] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/361.
[4] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م.صفحة 253.
[5] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م.صفحة 257.
[6] Hathaway, Jane: The Chief Eunuch of the Ottoman Harem: From African Slave to Power-Broker, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2018., p. 52.
[7] Arbel, Benjamin: «Nur Banu (c. 1530-1583): A Venetian Sultana?»، Turcica journal, Peeters Online Journals, Volume 24, 1992., pp. 241-259.
[8] Uluçay, Mustafa Çağatay: Padişahların kadınları ve kızları, Ötüken, Ankara, Turkey, 2011., p. 68.
[9] Shaw, Stanford Jay: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808, Volume I, Cambridge University Press, New York, USA, 1976., vol. 1, p. 178.
[10] أرسلان، شكيب: تاريخ الدولة العثمانية، دار ابن كثير، 2001م.صفحة 189.
[11] Ágoston, Gábor: Military Transformation in the Ottoman Empire and Russia, 1500–1800, Kritika: Explorations in Russian and Eurasian History, Slavica Publishers, Indiana University, Bloomington, Indiana, USA, Volume 12, Number 2, 2011 (B).pp. 281-319.
[12] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/365، 366.
[13] إيڤانوڤ، 1988 الصفحات 143، 144.
[14] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 257
[15] أوزتونا، 1988 صفحة 1/364.
[16] أوزتونا، 1988 صفحة 1/362.
[17] جرامون، ﭼان – لوي باكي: أوج الامبراطورية العثمانية: الأحداث (1512-1606)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م. صفحة 1/231.
[18] بچوي، إبراهيم أفندي: تاريخ بجوي إبراهيم أفندي: التاريخ السياسي والعسكري للدولة العثمانية، ترجمة وتقديم: ناصر عبد الرحيم حسين، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2015م. صفحة 1/471.
[19] Setton, Kenneth Meyer: The Papacy and the Levant (1204–1571), The American Philosophical Society, Philadelphia, USA, The Sixteenth Century from Julius III to Pius V, 1984)., vol. 4, pp. 921-922.
[20] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. صفحة 1/556.
[21] ديورانت، ول: قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود، وآخرين، تقديم: محيي الدين صابر، دار الجيل-بيروت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم-تونس، 1408هـ=1988م.الصفحات 29/176، 177.
[22] سرهنك، 1895 صفحة 1/557.
[23] فريد، 1981 صفحة 254.
[24] Martin, Janet: Medieval Russia: 980-1584, Cambridge University Press, New York, USA, Second Edition, 2007 (A).p. 399.
[25] Gvosdev, Nikolas K. & Marsh, Christopher: Russian Foreign Policy: Interests, Vectors, and Sectors, CQ Press, California, USA, 2014., p. 293.
[26] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/367، 368.
[27] Martin, 2007 (A), p. 399.
[28] Gvosdev & Marsh, 2014, p. 294.
[29] Martin, 2007 (A), p. 399.
[30] أوزتونا، 1988 صفحة 1/376.
[31] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 258.
[32] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/376، 377.
[33] Jaimoukha, Amjad: The Chechens: A handbook, Routledge, New York, USA, 2005., p. 37.
[34] ديورانت، 1988 صفحة 19/202.
[35] Imber, Colin: The Ottoman Empire, 1300-1650: The Structure of Power, Red Globe press, London, UK, Third edition, 2019., pp. 44-45.
[36] فريد، 1981 صفحة 255.
[37] Hötte, Hans H.A.: Atlas of Southeast Europe: Geopolitics and History, Brill, Leiden, Netherlands, (Volume 1: 1521-1699, Edited by: Colin Heywood, 2015), p. 71.
[38] Turnbull, Stephen R.: The Ottoman Empire, 1326-1699, Osprey Publishing Ltd, New York, USA, 2003.p. 57.
[39] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/370، 371.
[40] Goffman, Daniel: The Ottoman Empire and Early Modern Europe, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2002., p. 158.
[41] أوزتونا، 1988 صفحة 1/368.
[42] أوزتونا، 1988 صفحة 1/371.
[43] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 526- 536.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك