التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في سنة 1695م صعد إلى عرش الدولة العثمانية السلطان مصطفى الثاني، وكان شابًّا في الحادية والثلاثين من عمره.
السلطان مصطفى الثاني (1695-1703م)
بعد وفاة السلطان أحمد الثاني صعد إلى عرش الدولة العثمانية السلطان مصطفى الثاني، وهو ابن السلطان الأسبق محمد الرابع، وابن أخي السلطان الراحل أحمد الثاني. كان السلطان مصطفى الثاني شابًّا في الحادية والثلاثين من عمره[1]، ولكونه ابن السلطان محمد الرابع -وليس أخاه- فإنه لم يُحْبَس كعَمَّيه سليمان، وأحمد[2]، ولذلك تربَّى تربية طبيعية، وألِف الحياة السياسية، واطَّلع على المتغيرات التي حدثت في الدولة في زمان عَمَّيه سليمان الثاني، وأحمد الثاني.
هذا -بالإضافة إلى شبابه وحيويته- أعطاه فرصة لكي يُقَدِّم أداءً أفضل ممن سبقوه في هذه المرحلة، حتى اعتبره المستشرق الألماني الشهير كارل بروكلمان Carl Brockelmann من أولي العزم من السلاطين[3]! ومع ذلك فهو -في رأيي- لم يبلغ درجة من النضج تجعله يستفيد من الأحداث الجارية، والظروف المواتية، كما لم يُحْسِن كثيرًا التعامل مع الأزمات، وكغيره من السلاطين في هذه الحقبة لم يكن يمتلك الرؤية الاستراتيجية العميقة، على الرغم من حماسته، ورغبته في التغيير للأصلح، وطموحه في إعادة مركز السلطان لما كان عليه في زمان الأقوياء.
يُحْسَب لهذا السلطان علاقته الجيدة -على خلاف العادة العثمانية- بأخيه أحمد[4]، الذي يصغره بتسع سنوات، فلم يسعَ لحبسه كما كان يفعل أسلافه، بل تركه يعيش حرًّا في الدولة، وهذا من نوادر الحوادث في هذا الزمن! كما يُحْسَب له كذلك أنه كان شموليًّا في نظرته إلى سياسة الدولة، فلم تكن اهتماماته عسكرية فقط؛ إنما حرص على الارتقاء بأوضاع الدولة الداخلية، على الرغم من ضغط الحروب مع النمسا والبندقية وروسيا وبولندا، فقد ضغط النفقات، وخفَّض مرتبات الموظفين، واهتم بالاقتصاد فأصدر عملات ذات عيار جيد[5]، فارتفعت القيمة الشرائية لها، ولم يُضيِّع وقته في لهو أو صيدٍ كأبيه؛ إنما عاش حياة جادة، وحرص على إحياء تقاليد السلاطين الأوائل بما فيها من خروجٍ في المعارك على رأس الجيوش، بل أصدر فرمانًا بعد ولايته بثلاثة أيام فقط يُنْكِر فيه على السلاطين السابقين الذين تكاسلوا عن الجهاد[6]. بالجملة يعتبر هذا السلطان هو الأفضل منذ زمن مراد الرابع.
البداية النشطة، وتحرير خيوس، وحملتان همايونيتان على النمسا (1695-1696م):
كانت بداية حكم مصطفى الثاني قوية ومبشِّرة؛ إذ قامت البحرية العثمانية بعد ثلاثة أيام فقط من ولاية السلطان بإلحاق هزيمة كبرى بالأسطول البندقي في بحر إيجة، وذلك في 9 فبراير 1695م، ثم حققت نصرًا جديدًا على البنادقة في 18 فبراير[7]، وكان من نتيجة هذين النصرين انسحاب الأسطول البندقي، وتحرير جزيرة خيوس في 22 فبراير[8]، وهذا أعطى الأمان الكامل إلى المضائق البحرية وإسطنبول.
لم يكن نشاط السلطان الجديد عابرًا إنما كان حقيقيًّا؛ إذ إنه قرَّر الخروج بنفسه على رأس حملة همايونية كبرى لحرب النمسا، ولم يقبل بحالة الهدوء والتوازن التي شهدها عصر سلفه أحمد الثاني. خرج السلطان بحملته من إدرنة في يونيو 1695م، بعد أربعة شهور فقط من ولايته، وكانت وجهته إقليم تيميشوار العثماني[9]، والذي يمثل الآن الحدود الجديدة مع ممتلكات النمسا، وذلك بعد ضم النمسا لكامل المجر في الأعوام السابقة. استطاع السلطان في هذه الحملة في 9 سبتمبر أن يسترد مدينة ليبوڤا Lipova[10] (جنوب غرب ترانسلڤانيا) التي احتلها النمساويون عام 1688م، ثم التقى بعدها في حرب ميدانية ضد الجيش النمساوي في 25 سبتمبر عند مدينة لوجوس Lugos، فحقق عليه نصرًا كبيرًا[11].
بعد هاتين الموقعتين صار الطريق مفتوحًا إلى ترانسلڤانيا، التي صارت تابعة للنمسا منذ 1691م، وكان من الممكن للجيش العثماني أن يستغل الفراغ السياسي والعسكري الناتج عن هزيمة النمساويين منذ قليل، لكن هذا لم يحدث، مع أن التقديرات التركية لعدد الجيش تتجاوز مائة وخمسين ألف جندي[12].
قد يكون السبب هو غياب الرؤية الاستراتيجية، وعدم التخطيط مسبقًا للأحداث بشكل منظم، وبالتالي لم يكن هناك وضوح في ذهن السلطان والجيش عن الذي ينبغي فعله في حال الهزيمة أو النصر. يمكن -أيضًا- أن يكون السبب هو فقد الروح الهجومية والإيجابية عند الإدارة العثمانية بشكل عام، وذلك منذ 1683م، فصارت «تقنع» بانتصار كبير، وغنائم كثيرة، وخسائر قليلة، ولا تطمح في عودة التوسع، أو على الأقل في استرداد ما فُقِد! ولكن عمومًا كانت البداية جيدة، فهذا هو النصر الأهم منذ استعادة بلجراد عام 1690م منذ خمس سنوات.
تزامن مع هذه الحملة نجاح الجيش العثماني كذلك في مقاومة حصار روسي كبير لمدينة آزوڤ Azov[13] على بحر آزوڤ المتصل بالبحر الأسود، وذلك في الفترة من يوليو إلى أكتوبر 1695. كان الروس يحاصرون المدينة من البرِّ فقط؛ حيث لم يكن لديهم أسطول بحري يمكن أن يمنع الإمداد الإغاثي من النهر والبحر، ولذلك فشل الحصار على الرغم من كثرة الجنود الروس (الجيش الروسي أكثر من واحد وثلاثين ألف مقاتل، بينما الحامية العثمانية لا تزيد على أربعة آلاف)[14].
ومع ذلك فقد كشف هذا التحرك الكبير عن رغبة الروس الحثيثة في الوصول إلى المياه الدافئة، ولو عن طريق ميناء فرعي كآزوڤ، الذي لا يطل بشكل مباشر على البحر الأسود؛ إنما يفصله عنه مضيق كيرش Strait of Kerch، الذي يسيطر عليه العثمانيون. أيضًا حقق العثمانيون في هذه الفترة (18 سبتمبر 1695م) نصرًا جديدًا على البحرية البندقية في بحر إيجة عند مدينة ميتيليني Mytilene في جزيرة ليسبوس Lesbos[15].
في العام التالي، 1696م، خرج السلطان مصطفى الثاني في أبريل بحملة همايونية جديدة[16] إلى إقليم تيميشوار مرة أخرى. في هذه المرة -أيضًا- حقق الجيش العثماني في 27 أغسطس نصرًا كاسحًا على جيش النمسا في موقعة أولاش Ulaş[17]، وكان الجيش الصليبي تحت قيادة أمير ساكسوني أوجست الثاني Augustus II[18]، وهو الذي سيصبح لاحقًا ملكًا لبولندا، وكانت المعركة شرسة حيث قُتِل من كل طرف حوالي أربعة آلاف جندي[19]. من جديد فُتِحَ الطريق لترانسلڤانيا القريبة، ولكن مرة أخرى لم يستثمر العثمانيون الحدث، وضاعت فرصة استرداد الإقليم.
سقوط آزوڤ لصالح الروس (1696م):
كما حدث في العام الماضي جاء الروس مرة أخرى هذا العام لحصار آزوڤ! لكنهم في هذه المرة أتوا باستعداد مختلف! كان القيصر الروسي الشهير بطرس الأكبر حريصًا على الوصول إلى البحر الأسود بكل جهده، لذا فقد أقبل بنفسه في ربيع 1696م، ومعه أسطول بحري بناه في مدينة ڤورونيز Voronezh، وهي على بعد خمسمائة كيلو متر من آزوڤ، ونقله عن طريق نهر الدون Don river إلى آزوڤ، ومن ثم حاصر المدينة هذه المرة برًّا وبحرًا.
-أيضًا- استقدم القيصر عدة قادة أوروبيين متخصصين في الحروب البحرية لقيادة الأسطول، وتدريب الجنود. لم يتمكن العثمانيون في خلال العام الماضي من إصلاح القلعة التي عانت من قصف شديد، كما لم يتمكنوا من تعزيز الحامية العثمانية القليلة[20]. قد يُعذروا بانشغال جنود البحرية بالسفن البندقية المهدِّدَة للدردنيل، ولكن لم يكن ينبغي إهمال جانب الروس بهذه الصورة. سقطت آزوڤ في يد الروس في 6 أغسطس 1696م[21].
لم يكن هذا السقوط مؤثِّرًا في هذه الفترة لكون الدولة العثمانية مسيطرة على مضيق كيرش المتحكم في بحر آزوڤ كله، ومع ذلك كان سقوط القلعة مؤذِنًا بحقبة جديدة ذات سمات مختلفة. هذه الحقبة سيأخذ فيها الروس بالأنظمة العلمية، وأدوات التكنولوجيا الحديثة، بينما ستكون خطوات العثمانيين في هذا الاتجاه بطيئة.
-أيضًا- هذه الحقبة ستشهد بناء الأسطول الروسي لأول مرة، والذي يرجع الفضل فيه للقيصر بطرس الأكبر الذي شاهد نتائج بنائه لأسطوله الأول في آزوڤ، فأصدر في 20 أكتوبر من السنة نفسها أوامره بعمل أول ترسانة بحرية في روسيا قريبًا من آزوڤ، ولهذا يعتبر هذا التاريخ هو يوم ميلاد البحرية الروسية[22]. هذه التغييرات التطويرية في الإمبراطورية الروسية، والتي لم يواكبها تطوير مناسب في الدولة العثمانية، ستقلب حالة التوازن التي كانت بين الدولتين لصالح الروس، وهذا سيكون له آثار وخيمة مستقبلًا.
هزيمة زينتا وتداعيات كبرى (1697م):
للسنة الثالثة على التوالي يخرج السلطان مصطفى الثاني على رأس حملة همايونية كبرى إلى حرب النمسا من جديد ناحية تيميشوار. هذا بلا جدال يُحْسَب له. كان السلطان متميِّزًا بالإصرار والرغبة الصادقة في تحقيق النصر، لكنه كان يفتقر إلى الخبرة، وكذلك لم يكن في زمانه من البارعين الأمناء من الإداريين، والعسكريين، مَنْ يمكن أن يصقل مواهبه، ويرشده إلى الأصلح.
بعد توقُّف في بلجراد انطلق الجيش العثماني في اتجاه الشمال[23]. كان الهدف هو إسقاط قلعة سيچيد Szeged في جنوب المجر ليتخذها العثمانيون قاعدة بعد ذلك[24]. كانت خطوات العثمانيين بطيئة في هذه الحملة، وفوجئوا بقدوم جيش نمساوي يُقَدَّر بخمسين ألف مقاتل إلى المجر في وقتٍ لم يتوقعوه، وعلى الرغم من أن الجيش العثماني يبلغ ثمانين ألفًا، فإنه قرر الانسحاب لدخول شهر سبتمبر وقدوم الشتاء[25]. تراجع الجيش العثماني ولم ينتبه إلى كمين خطر للغاية نصبه الجيش النمساوي عند مدينة زينتا Zenta شمال صربيا (الآن Senta) بالقرب من نهر تيزا Tisa[26].
كان الجيش النمساوي بقيادة الأمير أوچين أمير ساڤوي Prince Eugene of Savoy[27]، وهو من القادة المشهورين في أوروبا. في يوم 11 سبتمبر[28] انتظر الصليبيون حتى عبر نصف الجيش العثماني نهر تيزا فوق أحد الجسور العريضة، ومن ثم فتحوا النيران على الجسر، فشطروه إلى نصفين، وشُطِر الجيش العثماني كذلك إلى قسمين، كل واحد منهما في ناحية من النهر! كانت المفاجأة قاتلة، وتعرَّض الجيش المسلم لنكبة كبيرة، وتساقط الشهداء؛ صرعى من القصف، وغرقى في النهر! بصعوبة استطاع العثمانيون إنقاذ السلطان، وانسحبوا بطريقة عشوائية من الميدان[29].
كانت خسائر العثمانيين في التقديرات التركية خمسة عشر ألف جندي[30][31]، بينما ترتفع التقديرات الأوروبية بهذا الرقم إلى ثلاثين ألفًا[32]! قد تكون التقديرات الأوروبية أقرب إلى الدقة في هذه المعركة لأن التداعيات الناتجة عن المعركة توحي بهزيمة مفجعة لا يمكن للجيش العثماني أن يسترد فيها عافيته في وقت قريب! استشهد في الموقعة عدد كبير من كبار رجال الدولة العثمانية، منهم الصدر الأعظم محمد ألمظ باشا[33].
استولى النمساويون على غنائم عظيمة شملت على سبيل المثال ستين ألف جمل (للنقل والطعام)، وألف وخمسمائة ثور (لجر العربات)، وسبعمائة حصان، بالإضافة إلى عدد كبير من المدافع والأسلحة، هذا فضلًا عن الختم الهمايوني، وعربة السلطان، وخزينة الجيش وبها أربعون ألف قطعة ذهبية[34]. -أيضًا- اجتاح الجيش النمساوي البوسنة بعد المعركة ودمَّر مدينة سراييڤو في يوم 17 أكتوبر[35]، وحرق بها مائة وعشرين مسجدًّا[36]. عاد السلطان إلى بلجراد، ومنها إلى إدرنة، منكسِرًا. كان هذا تاريخيًّا هو التهديد العسكري الأخير من العثمانيين للمجر[37]. كانت الهزيمة كارثية، وعلى الفور ظهر على السطح في الحكومة العثمانية مقترحُ التصالحِ مع النمسا بصورة أو أخرى، وهو المقترح الذي كان مرفوضًا في خلال سنوات الحرب الماضية كلها!
الطريق إلى السلام (1697-1698م):
حتى موقعة زينتا كان الأمل يراود العثمانيين في استرداد المجر وترانسلڤانيا يومًا ما، ولذا كانوا يرفضون الصلح مع النمساويين في أثناء الحرب الماضية، خاصة أن التفوق في هذه الحرب كان في المجمل لصالح النمسا والصليبيين، ولذا فالجلوس للتفاوض في هذه الظروف لن يأتي إلا بالخسائر. جاءت موقعة زينتا لتضع حدًّا لهذا الأمل؛ ليستفيق العثمانيون على الواقع الذي وصلوا إليه.
صارت القناعة شبه الكاملة عند معظم رجال الدولة العثمانيين، خاصة قادة الجيش، أن إكمال الحرب في هذه الظروف يعني فقد أراضٍ جديدة مهمة، ولئن توقفت الحرب الآن وجنوب الدانوب كله عثماني أفضل من توقفها بعد ذلك إذا اخترق الصليبيون النهر، وقد حدث هذا قبل زينتا بتسع سنوات، عندما أسقط الصليبيون معظم صربيا، وشمال البوسنة في عام 1688م. كان الفريق الداعم للسلام مع النمسا هو الأكبر، ولم يكن السلطان من هذا الفريق[38]! ومع ذلك، ونتيجة الضغط العصبي لهزيمة زينتا، ونتيجة تضعضع الاقتصاد العثماني بسبب الإنفاق العسكري الكبير في الفترة الأخيرة، قُبِلَت الفكرة مبدئيًّا.
تزامنت هذه الرغبة العثمانية مع رغبة نمساوية في الصلح -أيضًا- على الرغم من انتصارهم في زينتا! كان هذا لأسباب كثيرة؛ منها انشغالهم في حرب الفرنسيين في غرب الإمبراطورية عند الراين[39]، ومنها الإرهاق الشديد الذي أصاب الدولة في سنوات الحرب الطويلة مع العثمانيين، ومنها عدم الاستقرار الشعبي في المجر المضمومة لهم حديثًا لكراهية المجريين للنمساويين بشكل عام[40]، ومنها استعداد النمساويين لحرب كبرى قادمة في إسبانيا لتحديد وارث السلطة، لأن ملكها المريض، تشارلز الثاني بلا أولاد، وقد يموت في أي لحظة[41]، وتريد النمسا أن ترث عرش إسبانيا، ومنها أن عقد السلام مع العثمانيين بعد هزيمتهم في زينتا سيكون في مصلحة النمسا، بعكس لو تبدَّلت الظروف في الأعوام القادمة، وتفوَّق العثمانيون كما حدث في العامين الماضيين.
كانت البندقية -أيضًا- ترغب في الصلح؛ لأنه لو تمَّ الآن -والدولة العثمانية منكسرة- فستحتفظ البندقية على الأغلب بما سيطرت عليه في المورة اليونانية، وقد تأخذ مكاسب أخرى في منطقة دالماسيا في كرواتيا. هذه الرغبة البندقية كانت أشدَّ في هذه الأيام لتعرضها لعدة هزائم منذ ولاية السلطان مصطفى الثاني. مِثْل البندقية كانت بولندا، فإنها كانت راغبة في السلام؛ لأنها لم تحقق نصرًا واحدًا على العثمانيين منذ انضمت إلى التحالف الصليبي عام 1684م، فلعلها تُحَقِّق بالسلام -في ظل انكسار العثمانيين- ما لم تحققه بالحرب. هذه الرغبة دفعت سفراء البندقية وبولندا في ڤيينا إلى حثِّ الإمبراطور النمساوي على السعي إلى الصلح مع العثمانيين[42].
الوحيد الذي كان لا يرغب في الصلح كان القيصر الروسي بطرس الأكبر[43]، لأنه حقق نصرًا في آزوڤ عام 1696م، وكان يعلم أن نصره هناك كان في الأساس بسبب انشغال الجيش العثماني بحروبه مع النمسا والبندقية، وهو يريد استكمال مشروعه في الوصول إلى البحر الأسود، ولو عُقِد الصلح الآن فإن العثمانيين قادرون على دحره في القرم، بل واسترداد آزوڤ، لذلك ذهب القيصر بنفسه إلى ڤيينا ليستحث الإمبراطور ليوبولد الأول على عدم إتمام الصلح، ولكن الإمبراطور لم يُبْدِ تجاوبًا معه[44]، خاصَّةً أنه كاثوليكي متزمِّت، ويكره الروس والأرثوذكس بشكل عام!
يُضاف إلى الرغبات العثمانية، والنمساوية، والبندقية، والبولندية، في الصلح، رغبتان إنجليزية وهولندية! كانت إنجلترا وهولندا راغبتين في تفريغ جهد النمسا كله لحرب فرنسا! كانت حرب السنوات التسع مستمرة منذ عام 1688م، وكان من المتوقع أن تنشأ حرب أخرى كبيرة على خلافة العرش الإسباني، وستجتهد عائلة البوربون الفرنسية في حيازة هذا العرش، وستكون النمسا هي الطرف الآخر في الصراع، وستقف إنجلترا مع النمسا ضد غريمتها التقليدية فرنسا، خاصة أن فرنسا في هذه المرحلة التاريخية كانت القوة الأولى في أوروبا الغربية، وذلك في زمان لويس الرابع عشر، أما هولندا فكانت حليفةً لإنجلترا في هذه الفترة، وتعمل معها مؤقتًا في الاتجاه نفسه، وستكون في حزب النمسا في الحرب المقبلة. لهذا عَمِلَ السفيران، الإنجليزي، والهولندي، في إسطنبول على دفع عملية السلام بكل طاقاتهما[45]. كان البارز في الحوار أنهما يفعلان ذلك من منطلق صداقاتهما للدولة العثمانية، وإن كانت الحقيقة بالطبع أنهم لا يبحثون إلا عن مصالح دولهم.
لإكمال الصورة ينبغي أن نشير إلى أن الدولة العثمانية لم تكن راغبة تمامًا في سماع النصح الإنجليزي والهولندي، لأنه ضد «الصديق» الفرنسي! نعم توترت العلاقات العثمانية الفرنسية نسبيًّا في أول عهد لويس الرابع عشر، ولكنها عادت بشكلٍ جيِّدٍ منذ عام 1673م.
لقد كانت فرنسا حتى هذه اللحظة هي أكثر الدول الأوروبية حصولًا على امتيازات في الدولة العثمانية، كما أنها تعادي النمسا بشكل صريح، وهذا في مصلحة العثمانيين، لهذا كانت الدولة العثمانية ترغب في مراجعة الأمر مع فرنسا قبل الإقدام على الصلح مع النمسا، ومع ذلك، وفي هذا التوقيت الحرج، وَصَلَ إلى السلطان مصطفى الثاني خبرٌ صادم من أوروبا! لقد عقد الملك لويس الرابع عشر في الفترة من 20 سبتمبر إلى 30 أكتوبر 1697م صلحًا مع التحالف الأوروبي، الذي يضم النمسا، وهو الصلح المعروف بسلام ريسويك Peace of Ryswick، نسبةً إلى المدينة الهولندية التي شهدت توقيعه[46]، وذلك دون إخبار السلطان العثماني[47]، الذي من المفترض أنه حليف للفرنسيين، وسيتأثر بشكل مباشر بالصلح. هذا الصلح عُقِدَ ليُنهي حرب السنوات التسع، وهو يعني من جانب آخر تفرُّغ النمسا لحرب العثمانيين، مما سيجعل الأيام القادمة أشدَّ صعوبة.
برؤية هذه الصورة مكتملة؛ انكسار الجيش العثماني في زينتا، خسارة عدد كبير من رجال الدولة المهمين في الموقعة، رغبة معظم رجال الحكومة العثمانية في إنهاء الحرب المضنية، تضعضع الاقتصاد العثماني، رغبة النمسا في التفرغ لحرب الخلافة الإسبانية المتوقعة قريبًا، رغبة البندقية في الحفاظ على الوضع الحالي، رغبة إنجلترا وهولندا في تفريغ النمسا لهمومها الأوروبية، واتفاق فرنسا على الصلح مع النمسا وحلفائها من وراء ظهر السلطان العثماني. برؤية كل ذلك نعلم أنه من المنطقي أن يُعْقَد الصلح بين الدولة العثمانية والنمسا الآن، كما نعلم كذلك أنه من المنطقي أن يكون ثمن السلام فادحًا بالنسبة إلى العثمانيين!
معاهدة كارلوڤيتز مع النمسا والبندقية وبولندا (1699):
عُقِدَت مفاوضات السلام في مدينة كارلوڤيتز Karlowitz الصربية في الفترة من نوفمبر 1698 إلى يناير 1699م، بحضور ممثلين عن الدولة العثمانية، والنمسا، والبندقية، وبولندا، وبغياب روسيا، وبوساطة ورعاية إنجلترا، وهولندا[48]. يمكنني أن أُلَخِّص الاتفاق الذي وصل إليه المتفاوضون في جملة واحدة: «يبقى الوضع تقريبًا على ما هو عليه»! (خريطة رقم 31).
هذا يعني أن كل دولة من الدول المشتركة في الاتفاق ستحتفظ بما في يدها من أراضٍ وأقطار تمتلكها وقت توقيع الاتفاقية (مع تعديلات طفيفة للغاية)، وسوف يضاف إلى هذا المبدأ العامِ المتَّفقِ عليه قليلٌ من البنود الأخرى. هذا الكلام العام فُصِّل في بنود محددة توضح أملاك كل دولة على حِدة. من الواضح من هذا الاتفاق أن المعاهدة لا تحوي إلا تنازلات عثمانية لدول التحالف الصليبي، وهذا متوقَّع في ظل هذه الظروف. من عدة مصادر[49][50][51][52] يمكن إيجاز البنود الكثيرة التي شملتها هذه الاتفاقية في الآتي:
أولًا: كان للنمسا نصيب الأسد في هذه المعاهدة. تمتلك النمسا بموجب الاتفاق معظم المجر، وكذلك المناطق التي كانت تمتلكها الدولة العثمانية في كرواتيا، و-أيضًا- شمال البوسنة، بالإضافة إلى الأطراف الشمالية لإقليم تيميشوار الروماني. هذه مساحات تقدَّر بمائة وستين ألف كيلومتر مربع. بالإضافة إلى ذلك يعتبر إقليم ترانسلڤانيا مستقلًا، ويؤدي ولاءه لمن يريد، وهذا قد اختار النمسا (بالقوة العسكرية المسبقة!)، فهو يضاف -أيضًا- إلى مكاسب النمسا.
ثانيًا: تأخذ بولندا إقليم بودوليا المتنازع عليه سابقًا، وكذلك غرب أوكرانيا. هذا مكسب كبير لبولندا لأنها كانت خاسرة في المعارك طوال الحرب!
ثالثًا: تأخذ البندقية إقليم المورة اليوناني، كما تأخذ معظم إقليم دالماسيا في كرواتيا.
رابعًا: تبقى الأماكن التي تقع شمال الدانوب، وما زالت في يد العثمانيين وقت توقيع المعاهدة، في أيديهم، وهي أقاليم الإفلاق، والبغدان، ومعظم إقليم تيميشوار، وكذلك مدينة بلجراد.
خامسًا: تتوقف الجزية التي تدفعها أي دولة أوروبية للعثمانيين (باستثناء الإفلاق، والبغدان).
سادسًا: تتوقف الحرب بين كلِّ الأطراف لمدَّة خمسٍ وعشرين سنة.
هذه هي الخطوط العريضة للمعاهدة، وقد تم التوقيع عليها في يوم 26 يناير 1699م[53].
النظرة الأولى في المعاهدة تبرز بوضوح أن الخاسر الوحيد فيها هو الدولة العثمانية، ولذلك دأب المؤرخون على وصف المعاهدة بأنها «أفدح»، و«أسوأ»، و«أشأم» معاهدة في التاريخ العثماني حتى هذه اللحظة منذ نشأة الدولة. هذه الأوصاف في الحقيقة صحيحة؛ لأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية التي تعترف فيها بانتقال ملكية أرض تابعة لها إلى أعدائها، وخاصة بهذه المساحات الشاسعة، بالإضافة إلى انتقال هذه الأراضي إلى أعداء خطرين، سيتقوون بهذه الأراضي ضدها في المراحل القادمة. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تُوَقِّع فيها الدولة العثمانية معاهدة كطرفٍ خاسر!
ومع ذلك، فمن وجهة نظر أخرى، أرى أن الدولة العثمانية حقَّقت بعض المصالح الكبرى من وراء هذه المعاهدة!
لقد استطاعت الدولة العثمانية بقرارها الجريء بقبول هذه المعاهدة السيئة أن تحفظ نفسها مما هو أسوأ، وأن تُوقِف نزيف الأرض، والدم، والمال، والأمن! إن الدولة كانت تتجه في الحقيقة إلى كارثة، وقد رأينا طرفًا منها في عامي 1688 و1689م عندما اجتاح الصليبيون صربيا، والبوسنة، بل واخترقوا بلغاريا القريبة جدًّا من إدرنة وإسطنبول، وتوغَّلوا جنوبًا حتى وصلوا إلى مقدونيا دون مقاومة! إن الدولة كانت في الواقع قريبة من كارثة ككارثة أنقرة التي حدثت في عام 1402م على يد تيمور لنك، وتفككت بعدها الدولة تمامًا، فكان قرار قبول معاهدة كارلوڤيتز بشروطها المجحفة حافظًا للدولة من التفكك، ومسهمًا في إعطائها عمرًا جديدًا يتجاوز القرنين. إنه ليس من الحكمة أن يكابر السياسيون فيصلون إلى طريق مسدود، وبدلًا من قبول خسارة محدودة يخسرون كل شيء! وكم من الدول سقطت لكون قادتها لم يدركوا اللحظة التي يُوقِفون فيها نزيف أراضيهم أو اقتصادهم. خرجت الدولة العثمانية من المعاهدة بلا ديون خارجية، ولو استمرت في المكابرة لأثقلتها الديون حتمًا، ولصارت نهايتها أسرع، وأفدح.
ثم بتحليل الخسائر نتبيَّن أمورًا أخرى. في الواقع أن خسارة المجر أمرٌ متوقعُ الحدوثِ في يوم ما! ولقد تأخر هذا اليوم مائةً وخمسًا وأربعين سنةً كاملة! بمعنى أن الحكم العثماني لم يكن واقعيًّا لهذه البلاد المهمة. كان العثمانيون بالنسبة إلى الشعب المجري «أجانب» يحكمون دولتهم إلى حين، وسوف ينتقل حكم بلادهم يومًا ما إليهم، أو إلى أجنبي آخر.
بقي العثمانيون قرنًا ونصف في البلاد ولم يُزْرَع الولاء في صدور المجريين للدولة العثمانية قط. نعم يُعتبر العثمانيون أفضل من النمساويين أو عامة الأوروبيين؛ من ناحية رفقهم، وعدلهم، وتسامحهم الديني، وعدم تدخلهم في شئونهم، لكنهم في النهاية «أجانب»، والأجنبي مصيره إلى رحيل! ما حدث إذن هو نتيجة طبيعية لإهمال العثمانيين، على مدار العقود والقرون، لمسألة الدعوة والتعريف بالإسلام، وكذلك لمسألة الاندماج في المجتمعات الجديدة التي تلحق بدولتهم. والحقُّ أن شعب المجر تحديدًا -على الأقل في هذه المرحلة- شعبٌ تعيس! وسبب التعاسة أن أرضه كانت وسيطة بين عملاقين كبيرين؛ الإمبراطورية العثمانية، والإمبراطورية النمساوية، ومن ثم كانت أرضه دومًا ساحةَ قتالٍ بين الإمبراطوريتين. هذا أهلك الناس، ودفعهم إلى الهجرة إلى أماكن أخرى أكثر أمانًا، وبالتالي خربت الديار، وبارت الأراضي، وهلك الاقتصاد، وضعف الأمن، ولسوف تخرج المجر من سيطرة العثمانيين، إلى سطوة النمساويين، وسيستمر هذا الحال إلى القرن العشرين!
ما قلناه على المجر ينطبق، وبصورة أكبر، على ترانسلڤانيا، وبودوليا، وأوكرانيا، وكرواتيا، بل وينطبق كذلك على بعض الأقاليم التي ما زالت بحوزة الدولة العثمانية، كالإفلاق، والبغدان. فإذا كانت المجر تُحْكَم بحاكم مسلم، وحكومة مسلمة، ومع ذلك لم يظهر فيها الولاء للدولة العثمانية، فإن هذه الأقاليم كلها لم تُحْكَم بالعثمانيِّين بشكلٍ مباشر؛ إنما يحكمها نصارى من أهل البلد، وهم يعيشون حياتهم بالطريقة نفسها قبل تبعيتهم للدولة العثمانية وبعدها. هم فقط يدفعون الجزية، ولا يملكون قرارًا سياسيًّا خارجيًّا، ويحاربون مع الدولة العثمانية إذا حاربت، ويسالمون إذا سالمت، في مقابل أن تحميهم الدولة العثمانية «القوية» من الأخطار الخارجية. لا شك أن وضعًا كهذا لا يمكن أن يزرع «الولاء» في نفوس الشعوب، بل ستُحَوِّل الشعوب ولاءها فورًا إلى «الأقوى» إذا ظهر.
هذا التحليل يعني أن الدولة العثمانية في الحقيقة لم تقتطع جزءًا من أرضها لتعطيه للمنتصرين؛ إنما هي في الواقع تخلَّت عن أراضٍ كانت تستخدمها كخط دفاع أول عن أراضيها الحقيقية. أي أن هذه الأراضي كانت بمثابة الأسوار التي تدافع عن المدن، وتتلقى الصدمات الأولى عند الحروب. الخسارة إذن ستكون عسكرية في الأساس؛ إذ ستكون الصدامات في المرحلة القادمة على الأرض العثمانية الأساسية وليست على الأراضي التي حولها، وهذا ما حدث خلال الحروب التالية للدولة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. يمكن أن يكون البعد الاقتصادي مؤثِّرًا -أيضًا- حيث ستفقد الدولة جزية هذه البلاد، وخراج أرضها. أما خسارة الهيبة فلا يمكن تجاهلها، فقد أدرك الأوروبيون الآن أنه يمكن إرغام الدولة العثمانية العملاقة على التنازل عن شيء من أملاكها بالقوة.
أكبر الخسائر المادية -في رأيي- في معاهدة كارلوڤيتز هي خسارة المورة اليونانية لصالح البنادقة، فلئن كانت المجر، وترانسلڤانيا، وبودوليا، وأوكرانيا، ودالماسيا، كلها على حدود الدولة العثمانية، فإن المورة في عمقها. لا ننسى أن في جنوب اليونان عدة جزر مهمة تابعة للدولة العثمانية؛ أهمها نجروبونتي، ورودس، وكريت، وقد صارت كلها مهددة من البندقية. -أيضًا- لا يمكن تجاهل تهديد جزر إيجة الشمالية، ومضيق الدردنيل، وإسطنبول ذاتها. إن وجود البندقية في هذا المكان الذي خبرته عبر التاريخ، وإلى جوار اليونانيين النصارى الذين تعاملت معهم عدة قرون، وتعرفهم جيدًا، لأمر يمثل خطورة أمنية قومية من أعلى الدرجات. هذا التحليل يشير إلى أن الدولة العثمانية إذا فكَّرت في إصلاح بعض خسائر كارلوڤيتز مستقبلًا فإن هذا سيتجه إلى إصلاح خسارة اليونان، لا إلى استعادة المجر، وهو ما سيكون بعد عقدين من الزمان!
آخر ما نشير إليه في هذا التعليق هو أن إضافة المجر إلى النمسا زاد في مساحتها وقوتها بدرجة جعلتها تعود إلى سابق هيبتها، أو قريبًا منها، وهذا سيكون له تأثير مهم على السياسة الأوروبية، أما الدولة العثمانية فإنها لا شك ستستفيد من حالة الهدوء الناتجة عن المعاهدة في إعادة بناء هيكلها الداخلي، خاصة أن أعداءها الآخرين -بخلاف النمسا- كانوا ما زالوا في مرحلة النمو المتدرج كروسيا، أو الانحدار السريع كالبندقية، وبولندا.
معاهدة إسطنبول (القسطنطينية) مع روسيا (1700م):
أدركت روسيا خطأها في عدم المشاركة في كارلوڤيتز بعد رؤية المكاسب التي حققها التحالف الصليبي، لكن كان يحدوها الأمل في توسيع دائرة وجودها على البحر الأسود على حساب العثمانيين، ومع ذلك فقد تطوَّرت الأحداث ضدها في أوائل عام 1700م بعد كارلوڤيتز بعام عندما ظهرت في الأفق بوادر حرب كبرى بينها وإمبراطورية السويد، فيما سيُعرَف لاحقًا بحرب الشَمال العظمى، فأرادت روسيا أن تُسَكِّن جبهة الدولة العثمانية للتفرغ لحروبها الشمالية في البلطيق، فسعت لمباحثات سلام مع العثمانيين[54]، ووجدت تجاوبًا، فكانت معاهدة إسطنبول التي عُقِدَت في 14 يوليو عام 1700م[55]، بعد كارلوڤيتز بعام ونصف. اتَّفق الطرفان على وضع الحرب بينهما لمدة ثلاثين سنة، في مقابل أن تقبل الدولة العثمانية بحيازة روسيا لميناء آزوڤ، وبعض المناطق المحيطة به، بينما تردُّ روسيا للدولة العثمانية كل القلاع التي أخذتها على نهر الدنيبر، كما سيظل ميناء كيرش (المتحكِّم في ميناء آزوڤ) في يد العثمانيين. -أيضًا- ستتوقف روسيا عن دفع الجزية إلى تتار القرم، وستمنع القوزاق التابعين لها من القيام بحملات في الأراضي العثمانية، وستتكفل الدولة العثمانية في المقابل بمنع التتار المسلمين من القيام بحملات مماثلة في أرض روسيا[56][57].
واقعة إدرنة، وخلع السلطان مصطفى الثاني (1703م):
هدأت كل الجبهات العسكرية للدولة العثمانية بعد معاهدتي كارلوڤيتز وإسطنبول، وكان السلطان مصطفى الثاني يشعر بشيء من الإحباط لما آلت إليه الأوضاع، وكثر كلام الناس في إسطنبول حول الضعف الذي أصاب الدولة، فأخذ السلطان موقفًا عجيبًا؛ إذ قرَّر الاعتزال في إدرنة، وترك كل الأمور السياسية والإدارية لشيخ الإسلام فيض الله أفندي[58][59]! هذا في الواقع هروب غير مقبول! قد يكون معتقِدًا أن الابتعاد عن الأجواء المشحونة يمكن أن يدفع الناس إلى نسيان الأمر، لكن يقينًا لم يكن هذا الأداء حكيمًا! كان ينبغي تفهيم الناس بشكل منطقي وشفاف، وتوضيح أن الوضع الذي وصلت إليه الدولة في المعاهدتين ليس من أخطاء السلطان مصطفى الثاني الذي وقَّعهما؛ إنما هي تراكمات سنين. كانت المواجهة العلمية أفضل في كل الأحوال من الهروب السلبي. يفترض بعضهم أن السلطان أعطى هذه الصلاحيات القوية إلى شيخ الإسلام لكي يعادل بها الصلاحيات الكبرى التي كان يتمتع بها الصدر الأعظم وكبار رجال الجيش[60]، ومع ذلك فليس هذا مبررًا للاعتزال في إدرنة وترك الصراع محتدمًا بين المسئولين في الدولة في إسطنبول.
لم تقف المشكلة عند هذا الحدِّ؛ إنما كان أداء الشيخ فيض الله مخيِّبًا لأقصى درجة! لقد مارس سلطة دكتاتورية لم يصل إليها شيخ قبله ولا بعده في التاريخ العثماني[61]، وشاع في العامة أنه فاسد يستغل السلطة لمآربه الخاصة، وأنه لا يولي إلا أقاربه، ويحابي بعضهم على حساب الآخر[62][63]. زاد الأمر بتوليته لابنه فتح الله أعلى مناصب المشيخة بعد منصب شيخ الإسلام، ليصبح شيخًا للإسلام بعده، فصار وكأنه ولي عهد شيخ الإسلام، وحوَّل المنصب إلى وراثة بطريقة مستفزة[64][65]. ليس هكذا تدار البلاد! فالشيوخ الذين لا علم لهم بالسياسة قد يكونون أفسد للدولة من كثير من السياسيين الذين لا يعرفون شيئًا عن بنود الشريعة! إن إدارة الدولة المسلمة تحتاج إلى سياسي محترف يساعده فريق من الشيوخ لتوضيح رأي الإسلام في القضايا المختلفة، لا إلى شيخ -ولو كان أمينًا- لا يفقه شيئًا في السياسة.
في عام 1703م حدثت اضطرابات في بعض الولايات النصرانية التابعة للدولة العثمانية في چورچيا شرق الأناضول للتنافس على عرش هذه الولايات. أرسلت الحكومة العثمانية مجموعات كبيرة من الإنكشارية للمساعدة في السيطرة على هذه الاضطرابات[66]، وعند عودة هؤلاء من مهمتهم فوجئوا بتأجيل دفع مرتباتهم لوجود أزمة اقتصادية كبرى في الدولة[67].
ارتفعت وتيرة الغضب عند قادة الإنكشارية لأكثر من سبب؛ لتأخر رواتبهم، ولارتفاع صلاحيات شيخ الإسلام عليهم، ولتوقف الحروب بعد المعاهدات السلمية، وبالتالي انعدمت الغنائم، وقلَّت المكافآت التي كانت تصرف في الحروب. أراد الإنكشارية أن يُظْهروا قوتهم من جديد بعد أن كانت أمورهم قد انتظمت منذ إصلاحات الصدر الأعظم الراحل فاضل مصطفى باشا عام 1690م، أي منذ ثلاثة عشر عامًا، فقرَّروا القيام بانقلاب على السلطان! لكن الانقلاب الذي لا يظهر فيه سوى قادة من الجيش قد يكون خطرًا على حياتهم، فكان لا بد من استخدام ستائر خداعية يتحركون من خلفها! هذه الستائر هي القضاة والشعب! بشكل مباشر أو غير مباشر تواصل الإنكشارية مع بعض القضاة الشرعيين لاستصدار «فتاوى» بأن السلطان غير كفؤ في منصبه، وأنه أسلم أجزاء كثيرة من الدولة للنصارى في المعاهدتين، وأنه ترك منصبه لغيره فيعتبر مضيِّعًا للأمانة. -أيضًا- أصدر هؤلاء القضاة فتاوى بجواز خروج الناس للاعتراض على السلطان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[68]. اشترك الإنكشاريون وهؤلاء القضاة في الوصول إلى الناس، خاصة في إسطنبول، وحثِّهم على التمرد، مستغلين حالة الاحتقان التي عندهم من جراء عدم فهمهم لما حدث في المعاهدتين. تحرك في هذا التمرد جموع من الناس يجمعهم «الجهل» بالدين والسياسة معًا! هم يظنون أنهم يغيِّرون المنكر، والواقع أنهم يخالفون المعروف! بعض هؤلاء الثائرين من أهل إسطنبول فعلوا ذلك لمكوث السلطان في إدرنة مما يحرم إسطنبول من فوائد اقتصادية كبرى[69].
يؤكد بعض المؤرخين على وجود صراع تاريخي بين المدينتين الكبيرتين، وكان هذا التمرد أحد أبرز سماته[70]. أيًّا كان الأمر فقد انطلقت هذه الجموع -الموجَّهة دون أن تدري- إلى بيوت كبار رجال الدولة في إسطنبول فاقتحمتها وأفسدتها، ثم قامت بتخريبات في المدينة، ثم تجمعت في مسيرة كبيرة بلغت خمسين ألف رجل تحركت من إسطنبول إلى إدرنة حيث مقر السلطان الآن[71]. طالبت الجموع الموجهة بعزل السلطان. أراد السلطان أن يهدِّأ ثائرتهم فعزل شيخ الإسلام، وابنه، وأعلن مصادرة أموالهما، ولكن هذا لم يُجْدِ نفعًا[72]. انتهى الأمر بخلع السلطان في 22 أغسطس عام 1703م وتنصيب أخيه ولي العهد أحمد[73]، وذلك تحت اسم: أحمد الثالث. هرب شيخ الإسلام فيض الله إلى ڤارنا ببلغاريا، ولكن أمسك به المتمردون وقتلوه وابنه فتح الله في 24 أغسطس بعد ولاية أحمد الثالث بيومين[74][75].
يُعْرَف هذا التمرد في التاريخ «بواقعة إدرنة» The Edirne Event[76]، والحقُّ أنه وصمة في التاريخ العثماني.
هل هذه ثورة «شعبية» حقًّا؟
ومن المستفيد من وراء هذه الفتنة؟!
إن هذا في الحقيقة «افتعال» صارخ لشيء يبدو في ظاهره ثورة تريد الإصلاح، بينما الحقيقة المجردة هي أن هناك بعض القادة العسكريين، وكذلك بعض القضاة الشرعيين، يريدون «لأنفسهم» لا «للشعب» مكانة، ووضعًا معيَّنًا لا يحصلونه في النظام القديم، فحرَّكوا هذه الدهماء التي تجهل دينها، وواقعها، من أجل تحقيق مآربهم، غير آبهين بالدماء التي ستسيل في هذه الفتنة، ولا بالأضرار التي ستلحق بالأمة.
إن الثائرين يريدون إسقاط السلطان مصطفى الثاني من أجل الإصلاح كما يدَّعون، فمن الذي سيحكم بعده ويُصْلِح؟ إن الذي سيتولى الأمر هو أحمد الثالث، الأصغر من أخيه بتسع سنين، والأقل كفاءة، وعلمًا، وخبرة! لو كان «الثائرون» يسيرون خلف رمز عظيم يرون أنه أفضل من السلطان الحالي لتفهَّمنا موقفهم حتى مع اعتراضنا عليه، ولكنهم يسيرون وراء المجهول الذي لا يعرفونه، وهذا دليل على أنهم موجَّهون دون إرادة، أو مغيَّبون عن الواقع عن عمد، أو أغبياء لا يعرفون أيسر الأمور!
هكذا سقط السلطان مصطفى الثاني مظلومًا فيما أرى. لم يكن ذا رؤية استراتيجية متعمِّقة ولكن كانت عنده رغبة جادة في تحقيق مصلحة الدولة، على الأقل في النصف الأول من فترة حكمه. كان أمينًا، ومجتهدًا، وشجاعًا. جاهد بنفسه في ثلاث حملات كبرى تعرَّض فيها لخطر الموت. وقَّع معاهدتين في ظاهرهما أنهما ضارَّتان بالدولة، ولكن الواقع أنهما حفظتا بقائها لقرنين من الزمان، ولو أدبر واستكبر، ورفض كلام الناصحين العقلاء، لسقطت الدولة في شراك حروب لا طاقة لها بها في هذه المرحلة، ولكان انهيار الدولة العثمانية أقرب كثيرًا من الواقع الذي رأيناه. ليس هذا دفاعًا عن موقفه في مسألة اعتزاله الأمور السياسية وتركها لشيخ الإسلام، فهذا خطأ لا ريب فيه، ولكن لم يكن الإصلاح في الخروج عليه بهذه الصورة، خاصة أن أعماله الأخرى تشفع له، وإمكاناته الإدارية والقيادية والعلمية تسمح له بالعودة إلى الطريق الصحيح إذا أُرْشِد إليه.
كانت هذه الواقعة سببًا في نمو نفوذ الإنكشارية مرة أخرى، ولكن في هذه المرة نما معهم نفوذ القضاة الشرعيين، وخاصة في الولايات البعيدة عن إسطنبول[77]، لقد صار لهم تدخُّل في السياسة بحكم أنهم قادرون على استصدار «فتاوى» يمكن أن تقود إلى تغيير الحكومة، وبحكم قدرتهم على الوصول إلى الأمراء والسلطان بسبب وضعهم الشرفي الرفيع في دولة إسلامية. هذا سيعطيهم «سلطة» غير مباشرة في مدنهم وولاياتهم، مما سيسهم في إضعاف مركزية الدولة، وهذا سيكون له مردود سلبي على الأوضاع بشكل عام[78].
[1] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م.صفحة 204.
[2] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/569.
[3] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م.صفحة 522.
[4] أوزتونا، 1988 صفحة 1/590.
[5]مانتران، روبير: الدولة العثمانية في القرن السابع عشر: اتجاه إلى الاستقرار أم انحدار، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م (ب).صفحة 1/377.
[6] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م.الصفحات 390، 391.
[7] أوزتونا، 1988 صفحة 1/570.
[8] Somel, Selçuk Akşin: The A to Z of the Ottoman Empire, the Scarecrow press, Lanham, MD, USA, 2010., p. l.
[9] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م. صفحة 206.
[10] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. صفحة 1/610.
[11] Jaques, Tony: Dictionary of Battles and Sieges, Greenwood Press, Westport, CT, USA, 2007., p. 605.
[12] أوزتونا، 1988 صفحة 1/ 571.
[13] سرهنك، 1895 صفحة 1/610.
[14] Davies, Brian L.: Warfare, State and Society on the Black Sea Steppe, 1500–1700, Routledge, London, UK, 2007., p. 185.
[15] Somel, 2010, p. l.
[16] 54. آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م، صفحة 332.
[17] Somel, 2010, p. l.
[18] Uyar, Mesut & Erickson, Edward J.: A Military History of the Ottomans: From Osman to Atatürk, ABC CLIO, Santa Barbra, USA, 2009., p. 103.
[19] Sharp, Tony: Pleasure and Ambition: The Life, Loves and Wars of Augustus the Strong, I.B.Tauris, 2001., p. 125.
[20] أوزتونا، 1988 صفحة 1/573.
[21] كولن، 2014 صفحة 206.
[22] Skaridov, Alexander: The Sea of Azov and the Kerch Straits, In: Caron, David D. & Oral, Nilufer: Navigating Straits: Challenges for International Law, Birll, Leiden, Netherlands, 2014., p. 220.
[23] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 2, pp. 675-676.
[24] Hötte, Hans H.A.: Atlas of Southeast Europe: Geopolitics and History, Brill, Leiden, Netherlands, 1521-1699, Edited by: Colin Heywood, 2015, vol. 1, p. 16.
[25] Grant, R. G.: 1001 Battles That Changed the Course of History, Chartwell Books, New York, USA, 2017., p. 388.
[26] Hötte, 2015, vol. 1, p. 16.
[27] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 333.
[28] Somel, 2010, p. l.
[29] أوزتونا، 1988 صفحة 1/576، 577.
[30] سرهنك، 1895 صفحة 1/611.
[31] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 332.
[32] Tucker, 2010, vol. 2, p. 676.
[33] سرهنك، 1895 صفحة 1/611.
[34] أوزتونا، 1988 صفحة 1/576.
[35] Somel, 2010, p. l.
[36] أوزتونا، 1988 صفحة 1/578.
[37] Tucker, 2010, vol. 2, p. 676.
[38] أوزتونا، 1988 صفحة 1/579.
[39] Black, Jeremy: The Cambridge Illustrated Atlas of Warfare: Renaissance to Revolution, 1492-1792, Cambridge University Press, New York, USA, 1996.. 2, p. 104.
[40] Abbott, John Stevens Cabot: The Empire of Austria: Its Rise and Present Power, Dodd, Mead, and Company, New York, USA, 1882., pp. 318-319.
[41] Mckay, Derek & Scott, H.M.: The Rise of the Great Powers 1648 – 1815, Routledge, New York, USA, 2014., p. 54.
[42] أوزتونا، 1988 صفحة 1/579.
[43] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 332.
[44] كينروس، 2002 صفحة 393.
[45] Setton, Kenneth Meyer: Venice, Austria and the Turks in the 17th Century, American Philosophical Society, Philadelphia, USA, 1991., p. 401.
[46] Holmes, Richard & Evans, Martin Marix: Battlefield: Decisive Conflicts in History, Oxford University Press, Oxford, UK, 2006., pp. 81-82.
[47] Wasiucionek, Michal: The Ottomans and Eastern Europe: Borders and Political Patronage in the Early Modern World, Bloomsbury Publishing, London, UK, 2019., p. 107.
[48] Aksan, Virginia H.: War and Peace, In: Faroqhi, Suraiya N.: The Cambridge History of Turkey: The Later Ottoman Empire, 1603–1839, Volume 3, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2006., vol. 3, p. 109.
[49] Ágoston, Gábor: Karlowitz, Treaty of (1699), In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009 (G).pp. 309-310.
[50] كينروس، 2002 صفحة 395.
[51] سرهنك، 1895 الصفحات 1/611، 612.
[52] Hötte, 2015, vol. 1, p. 17.
[53] كينروس، 2002 صفحة 393.
[54] Frost, Robert I.: The Northern Wars: War, State and Society in Northeastern Europe 1558–1721, Routledge, New York, USA, 2000., p. 228.
[55] Somel, 2010, p. l.
[56] كينروس، 2002 الصفحات 405، 406.
[57] Davies, 2007, p. 187.
[58] Somel, Selçuk Akşin: Historical Dictionary of the Ottoman Empire, Lanham, Maryland, USA, Scarecrow Press, 2003., p. 203.
[59] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 333.
[60] Nizri, Michael: Defining Village Boundaries at the Time of the Introduction of the Malikane System: The Struggle of the Ottoman State for Reaffirming Ownership of the Land, In: Saraçoğlu, M. Safa; Zens, Robert W. & Schull, Kent F.: Law and Legality in the Ottoman Empire and Republic of Turkey, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, 2016., p. 48.
[61] أوزتونا، 1988 صفحة 1/585.
[62] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 333.
[63] Zilfi, Madeline C.: The Ottoman Ulema, In: Faroqhi, Suraiya N.: The Cambridge History of Turkey: The Later Ottoman Empire, 1603–1839, Volume 3, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2006., vol. 3, p. 222.
[64] أوزتونا، 1988 صفحة 1/589.
[65] Zarinebaf, Fariba: Crime and Punishment in Istanbul: 1700-1800, University of California Press, California, USA, 2010., p. 53.
[66] Rayfield, Donald: Edge of Empires: A History of Georgia, Reaktion Books, London, UK, 2012., pp. 227–228.
[67] Shaw, Stanford Jay: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808, Volume I, Cambridge University Press, New York, USA, 1976., vol. 1, p. 227.
[68] Aksan, Virginia H.: Ottoman Wars, 1700-1870: An Empire Besieged, Routledge, New York, USA, 2013., pp. 36-38.
[69] أوزتونا، 1988 صفحة 1/589.
[70] Çalış-Kural, B. Deniz: Şehrengiz, Urban Rituals and Deviant Sufi Mysticism in Ottoman Istanbul, Routledge, New York, USA, 2016., pp. 192-193.
[71] أوزتونا، 1988 صفحة 1/589.
[72] Zarinebaf, 2010, p. 54.
[73] Somel, 2010, p. li.
[74] Zarinebaf, 2010, p. 54.
[75] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 312.
[76] Çalış-Kural, 2016, p. 192.
[77] Zilfi, 2006, vol. 3, p. 224.
[78] كتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 781- 799.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك