التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ماذا تعرف عن مكانة الكعبة في التشريع الإسلامي؟
الكعبة في التشريع الإسلامي
أولًا: قبلة المسلمين في الصلاة:
جعل الله تعالى استقبال القبلة شرطًا من شروط صحة الصلاة، والأدلة على ذلك متواترة، لقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149، 150]، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان يعلِّمه الصلاة: «إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم استقبلِ القِبلةَ فكبَّر...»[1]، وذكر ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الكعبة في فتح مكة فركَع ركعتينِ في قُبُل الكَعبةِ، وقال: «هذه القِبلةُ»[2]، والإجماع على ذلك عند العلماء، ويُستثنى من ذلك حالات معدودة:
1- عدم القدرة على تحديد القبلة
2- عدم القدرة على استقبال القبلة: (حالة مرضية جعلت المريض في وضع معين، أو في الطائرة وليس فيها مكان للصلاة وسيفوت الوقت)
3- الخوف الشديد مثل حالات الحرب
4- صلاة النافلة على الراحلة في السفر الذي تقصر فيه الصلاة، أما صلاة النافلة على الراحلة في الحضر ففيها خلاف والأولى الصلاة بلا راحلة.
ثانيًا: الحجُّ والعمرة إليها (مرَّة واحدة في العمر للتيسير، والتكرار ممدوح)
عظَّم الله تعالى من شأن الحج، فجعله ركنًا من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلًا، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ»[3].
وعَنْ أَبِي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»[4].
ولذا فعلى القادر على تكرار هذه الرحلة ألا يحرم نفسه من الأجر العظيم، واقتدوا ب عائشة رضي الله عنها في ذلك؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ «فَلاَ أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[5]. وروى ابن حبان والبيهقي وهو صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ». (الوفد في حجٍّ أو عمرة)
ثالثًا: لمس بعض الأجزاء منها نوع من العبادة
روى البخاري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ»[6].
وفي الطبراني وأحمد وغيرهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَسْحَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ يَحُطَّانِ الْخَطَايَا حَطًّا»[7].
والحاكم وابن خزيمة بسند حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ مَسَحَ -أَوْ قَالَ: اسْتَلَمَ- الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ فِي كُلِّ طَوَافٍ[8].
لمس الملتزَم أيضًا، وسمي بذلك لأنهم يلتزمونه بالدعاء، وَهُوَ بَين الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود وَبَاب الْكَعْبَة، وهو من الْمَوَاضِع الَّتِي يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء.
- عن عَمْرُو بْن شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ[9]، قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ السَّبْعِ، رَكَعْنَا فِي دُبُرِ الْكَعْبَةِ فَقُلْتُ: أَلَا نَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: ثُمَّ مَضَى، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ قَامَ بَيْنَ الْحَجَرِ، وَالْبَابِ، فَأَلْصَقَ صَدْرَهُ، وَيَدَيْهِ، وَخَدَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ»[10].
رابعًا: النظر إليها لم يثبت فيه أحاديث صحيحة
خامسًا: عدم استقبالها ببول أو غائط
ذكروا الفقهاء كَرَاهَةُ اسْتِقْبَالِ الكعبة فِي بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (أَيْ حِينَ التَّخَلِّي). وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ.
وفرَّقوا بين قضاء الحاجة في الفضاء، فاستقبال القبلة أو استدبارها حرام عند الجمهور إلا الحنفية، أو البيت وهذا مكروه.
وَالأْصْل فِي ذَلِكَ حديث: أبو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: «فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى»[11].
سادسًا: عبادة الطواف[12]. وهو موضوع المقال القادم.
[1] البخاري (6251)، ومسلم (397)
[2] البخاري (398)، ومسلم (1331).
[3] الترمذي: كتاب الصوم (810). والنسائي: (3610) وأحمد (3669). وقال شعيب الأرناءوط: صحيح لغيره
[4] البخاري: أبواب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها (1683)، ومسلم: كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1349).
[5] البخاري: أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج النساء (1762).
[6] البخاري (1609).
[7] الطبراني في المعجم الكبير (13472).
[8] الحاكم في المستدرك (1676).
[9] أبوه هو محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص.
[10] ابن ماجه (2962)، قال الألباني: حسن.
[11] البخاري: أبواب القبلة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق (386)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب الاستطابة (264).
[12] لمشاهدة الحلقة من على اليوتيوب اضغط هنا: الكعبة في التشريع الإسلامي
التعليقات
إرسال تعليقك