التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هاشم بن عبد مناف الجد الثاني للرسول، كُلِّف بأمر السقاية والرفادة، أطعم الثريد بمكة وسنَّ رحلتي الشتاء والصيف، سافر إلى غزة للتجارة فمات بها.
كان لقصي بن كلاب أربعة من الأولاد وهم: عبد مناف، وعبد الدار، وعبد العزى، وعبد أو عبد قصي، وقبيل موت قصي بن كلاب قام بتوريث أعماله القيادية لابنه عبد الدار على الرغم من أنه ليس ابنه الأكبر، فتقبَّل الابن الكبير عبد مناف الأمر على مضض، ولم يشأ أن يخرج على رأي أبيه سيِّدِ مكة بعد موته.
ولكن بعد ذلك انقسم بني قصي حيث أجمع بنو عبد مناف على أن يأخذوا من بني عبد الدار الرفادة والسقاية، فأبى بنو عبد الدار ترك ما في أيديهم وأصروا على الاحتفاظ به، فتفرقت عند ذلك قريش، فكانت طائفة مع بني عبد الدار، وطائفة مع بني عبد مناف، فكان فريق بني عبد مناف يسمى حلف المطيبون، وفريق بني عبد الدار يسمى الأحلاف.
استعد الفريقين للقتال ولكن غالب الأمر أن القتال لم يحدث أصلًا، أو حدث لفترة قصيرة، ثم تداعوا إلى الصلح، على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وظلَّت الحجابة واللواء والندوة مع بني عبد الدار، وبقيت الرئاسة متردِّدة بينهم، فرضوا بذلك، وتحاجز الناس عن الحرب.
وبعد وصول الرفادة والسقاية إلى بني عبد مناف تقول بعض الروايات أنَّهم اقترعوا عليها، وقد وصلت إلى هاشم الجدِّ الثاني للرسول صلى الله عليه وسلم[1]، وهناك بعض الروايات الأخرى تقول أنَّ بنو عبد مناف أعطوا السقاية والرفادة لهاشم قاصدين، وذلك لأن أخوه عبد شمس كان كثير السفر، وكان فقيرًا إلى حدٍّ ما، بينما كان هاشم موسرًا، فكُلِّف هاشم بالأمر[2]، وأرى ذلك تمهيدًا لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ليصبح أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم القريبون بدءًا من قصي لهم أيادٍ بيضاء على أهل مكة والعرب والحجاج، مما يفتح القلوب للعائلة، ومنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من هو هاشم؟
هاشم اسمه أصلًا عمرو، أبوه عبد مناف وأمُّه عاتكة بنت مرة، وهي من بني سليم، وهي إحدى العواتك الثلاث التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتخر بهن، وهي أقرب العواتك إلى النبي صلى الله عليه وسلم[3]، وأخوته عبد شمس، والمطَّلب، ونوفل.
سبب تسميته هاشم: سمي بذلك لأنه هو أول من أطعم الثريد بمكة، ولم يسمى هاشمًا إلا بهشمه الخبز[4] بمكة لقومه[5]، عن ابن عباس، قال: أصابت قريشًا سنة ذهبت بأموالهم وأقحطوا فيها. وبلغ هاشما ذلك وهو بالشام. وكان متجره بغزة وناحيتها. فأمر بالكعك والخبز، فاستكثر منهما. ثم حملا في الغرائر على الإبل، حتى وافى مكة. فأمر بهشم ذلك الخبز والكعك، ونحرت الإبل التي حملت. فأشبع أهل مكة وقد كانوا جهدوا[6].
رحلة الشتاء والصيف:
كان هاشم فيما يزعمون أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف[7]، والايلاف تعني العهود، وكان أصحاب الايلاف من قريش الذين رفع الله بهم قريشا ونعش فقراءها، هم: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف.
فأخذ هاشم لقريش عصمًا من ملوك الشام، فتجروا آمنين. ثم إن أخاه عبد شمس أخذ لهم عصمًا من صاحب الحبشة، وإليه كان متجره. وأخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصمًا من ملوك اليمن. وأخذ لهم نوفل بن عبد مناف عصمًا من ملوك العراق. فألفوا الرحلتين في الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفي الصيف إلى الشام[8].
اتِّفاق هاشم مع المطَّلب، واتِّفاق عبد شمس مع نوفل (افتراق التوأم!)
ومعلوم أن بني عبد مناف افترقوا فكانت هاشم والمطلب يدًا، وعبد شمس ونوفل يدًا[9]. وَكَانَ إِلَى هَاشِمٍ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ بَعْدَ أَبِيهِ، وَإِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيهِ الْمُطَّلِبِ نَسَبُ ذَوِي الْقُرْبَى، وَقَدْ كَانُوا شَيْئًا وَاحِدًا فِي حَالَتِيِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ لَمْ يَفْتَرِقُوا، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَانْخَذَلَ عَنْهُمْ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ[10]، وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ[11] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ، وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ». قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَزَادَ، قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَبْدُ شَمْسٍ، وَهَاشِمٌ، وَالمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ[12][13].
وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ[14].
وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي النَّسَبِ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لِهَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ الْبَدْرَانِ وَلِعَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ الْأَبْهَرَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ ائْتِلَافًا سَرَى فِي أَوْلَادِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَلِهَذَا لَمَّا كَتَبَتْ قُرَيْشٌ الصَّحِيفَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَحَصَرُوهُمْ فِي الشِّعْبِ دَخَلَ بَنُو الْمُطَّلِبِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ تَدْخُلْ بَنُو نَوْفَلٍ وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى لِبَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ قَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قُرَيْشٍ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ[15]... وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ الْآيَةَ نَصَّتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ قُرْبَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ لِأَنَّهُ شَقِيقٌ وَفِي بَنِي نَوْفَلٍ إِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ قَرَابَةُ الْأُمِّ وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي سَبَبِ إِخْرَاجِهِمْ فَقِيلَ الْعِلَّةُ الْقَرَابَةُ مَعَ النُّصْرَةِ فَلِذَلِكَ دَخَلَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يَدْخُلْ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ لِفِقْدَانِ جُزْءِ الْعِلَّةِ أَوْ شَرْطِهَا وَقِيلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقَرَابَةِ وَوُجِدَ بِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ مَانِعٌ لِكَوْنِهِمُ انْحَازُوا عَنْ بَنِي هَاشِمٍ وَحَارَبُوهُمْ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقُرْبَى عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَبَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ[16].
العداوة بين هاشم وأمية:
تنقل كتب التاريخ عداوة بين هاشم وأمية بن عبد شمس ابن أخيه وتنافسًا، وقد نُصِر فيه هاشم، وهذا له آثاره التاريخية.
أولاد هاشم:
أهمُّ أولاد هاشم هو عبد المطلب ثم أسد، وهو والد فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب، وأمُّ علي بن أبي طالب، بل كلِّ أبنائه: جعفر، وعقيل، وأم هانئ، وبمثابة الأم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأسد أولاد ذكور لهم عقب، فكل عقب هاشم من عبد المطَّلب، ولهاشم أيضًا صيفي، وأبو صيفي، ونضلة، وانقرضت أعقابهم.
زواج هاشم من بني النجار وإنجابه عبد المطلب:
تزوج من سلمى بنت عمرو، من بني النجار، فحملت بطفل، فأخذها هاشم إلى يثرب لتلد عند أهلها، ثم سافر هاشم إلى غزة من فلسطين للتجارة فمات بها، ولذا تُعرف غزة بغزة هاشم، وولدت سلمى ولدًا سمَّته شيبة الحمد، وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه، ونشأ في يثرب، وبعد وفاة هاشم بغزة انتقل أمر السقاية والرفادة إلى أخيه المطَّلب[17].
[1] البَلَاذُري: جمل من أنساب الأشراف، 1/57.
[2] ابن هشام: السيرة النبوية، 1/135.
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 1/52.
[4] يقال: هشم الخبز، أي فتَّته في مرق اللحم ليصنع الثريد، وهو الفتَّة.
[5] ابن هشام: السيرة النبوية، 1/136.
[6] البَلَاذُري: جمل من أنساب الأشراف، 1/58.
[7] ابن هشام: السيرة النبوية، 1/136، وأبو جعفر البغدادي: المحبر، ص162.
[8] البَلَاذُري: جمل من أنساب الأشراف، 1/59.
[9] الجاحظ: الرسائل السياسية ص 425.
[10] ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 311.
[11] اخْتُصَّ جُبَيْرٌ وَعُثْمَانُ بِذَلِكَ لِأَنَّ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ سَوَاءٌ الْجَمِيعُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمَا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى عَبْدِ مَنَافٍ. فتح الباري لابن حجر (6/ 245).
[12] وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ لَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ وَهِيَ وَاقِدَةُ بِالْقَافِ بِنْتُ أَبِي عَدِيٍّ وَاسْمُهُ نَوْفَلُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ صَعْصَعَةَ. فتح الباري لابن حجر (6/ 245).
[13] البخاري: كتاب الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض، (2971).
[14] النسائي (4439)، وأحمد (16787)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وأبو يعلى (7399)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
[15] فتح الباري لابن حجر (6/ 245).
[16] فتح الباري لابن حجر (6/ 246).
[17] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: هاشم بن عبد مناف ورعاية الكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك