التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان لعبد المطلب بن هاشم كثير من اللقطات المهمة في حياته، فماذا تعرف عنها؟
كان لعبد المطلب بن هاشم كثير من اللقطات المهمة في حياته مثل توليه أمر الرفادة والسقاية، وإطعام أهل مكة، وحفر زمزم، ورئاسة مكة، وموقفه من أبرهة الأشرم، وفي هذا المقال سنتناول لقطات أخرى من حياة عبد المطلب بن هاشم، وهي كالتالي:
لم يأخذ عبد المطَّلب الذهب لنفسه:
جاء في أخبار مكة للأزرقي "...فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْأَسْيَافَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فَوْقَهُ أَحَدَ الْغَزَالَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حُلِّيَتْهُ الْكَعْبَةُ، وَجَعَلَ الْغَزَالُ الْآخَرُ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ فِي الْجُبِّ الَّذِي كَانَ فِيهَا يُجْعَلُ فِيهِ مَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ..."[1].
إكمال القصة من رواية الزهري: ثُمَّ تَزَوَّجُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ، فَوُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أَقْرَعُ بَيْنَهُمْ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: اللَّهُمَّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ، فَكَانَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ»[2].
عبد المطَّلب أول من جُعِلت دية ابنه في مائة من الإبل:
كان عبد المطلب بن هاشم قد نذر لله عز وجل عليه حين أمر بحفر زمزم، لئن حفرها وتم له أمرها وتتام له من الولد عشرة ذكور ليذبحن أحدهم لله عز وجل، فلما تتام له عشرة من الولد، وعظم شرفه، وحفر زمزم وتم له سقياه أقرع بين ولده أيهم يذبح، فخرجت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقام إليه ليذبحه، فقامت له أخواله من بني مخزوم وعظماء قريش وأهل الرأي منهم، وقالوا: والله لا تذبحه؛ فإنك إن تفعل تكن سنَّة علينا في أولادنا وسنَّة علينا في العرب، وقامت بنوه مع قريش في ذلك، فقالت له قريش: إن بالحجاز عرافة لها تابع، فسلها، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك فيه فرج قبلته، قال: فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوا المرأة فيها يقال لها تخيبر، فسألوها، وقص عليها عبد المطلب خبره، فقالت: ارجعوا اليوم عني حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا عنها حتى كان الغد، ثم غدوا عليها، فقالت: نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل، قال: وكانت كذلك، قالت: فارجعوا إلى بلادكم، وقربوا عشرا من الإبل، ثم اضربوا عليها بالقداح وعلى صاحبكم، فإن خرجت على الإبل فانحروها، وإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل عشرا، ثم اضربوا عليها بالقداح، وعلى صاحبكم حتى يرضى ربكم، فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى مكة، فأقرع عبد المطلب على عبد الله وعلى عشر من الإبل، فخرجت القرعة على عبد الله، فقالت قريش لعبد المطلب: يا عبد المطلب زد ربك حتى يرضى، فلم يزل يزيد عشرًا عشرًا، وتخرج القرعة على عبد الله، وتقول قريش: زد ربك حتى يرضى، ففعل حتى بلغ مائة من الإبل، فخرجت القداح على الإبل، فقالت قريش لعبد المطلب: انحرها فقد رضي ربك وقرعت، فقال: لم أنصف إذا ربي حتى تخرج القرعة على الإبل ثلاثا، فأقرع عبد المطلب على ابنه عبد الله وعلى المائة من الإبل ثلاثًا، كل ذلك تخرج القرعة على الإبل، فلما خرجت ثلاث مرات نحر الإبل في بطون الأودية والشعاب وعلى رءوس الجبال، لم يصد عنها إنسان ولا طائر ولا سبع، ولم يأكل منها هو ولا أحد من ولده شيئا، وتجلبت لها الأعراب من حول مكة، وأغارت السباع على بقايا بقيت منها فكان ذلك أول ما كانت الدية مائة من الإبل، ثم جاء الله بالإسلام فثبتت الدية عليه، قال: ولما انصرف عبد المطلب ذلك اليوم إلى منزله مر بوهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهو جالس في المسجد وهو يومئذ من أشراف أهل مكة فزوج ابنته آمنة عبد الله بن عبد المطلب[3].
وجاء في البخاري عن ابن عباس في مسألة القسامة في الجاهلية أن أبا طالب أول من حكم بها: قال أبو طالب: "إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّىَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ"[4].
وهذا لا يتعارض مع كون أول مائة كانت في عهد عبد المطلب، ولكنها لم تكن حُكْمًا اختاره كما في حالة أبي طالب، وقد كانت الدية المطلوبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مائة من الإبل، ويقول سراقة بن مالك لهما في قصة الهجرة كما روى البخاري قال سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ[5].
بَاب مَا كَانَ النَّبِي يذهب فِي حَاجَة لجده الا أنجح فِيهَا:
عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "حَجَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: (رَبِّ رُدَّ إِلَيَّ رَاكِبِي مُحَمَّدًا ... رُدَّهُ إِلَيَّ وَاصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا) فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ بَعَثَ بِابْنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ وَلَمْ يَبْعَثْهُ فِي حَاجَةٍ إِلَّا أَنْجَحَ فِيهَا، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ مُحَمَّدٌ وَالْإِبِلُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَقَدْ جَزِعْتُ عَلَيْكَ جَزَعًا لَمْ أَجْزَعْهُ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَاللَّهِ لَا أَبْعَثُكَ فِي حَاجَةٍ أَبَدًا، وَلَا تُفَارِقُنِي بَعْدَ هَذَا أَبَدًا"[6].[7].
[1] الأزرقي: أخبار مكة، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، دار الأندلس، بيروت، 2/ 47.
[2] الأزرقي: أخبار مكة، 1/ 548، وقال دهيش: حسن لغيره.
[3] الأزرقي: أخبار مكة، 2/ 48.
[4] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب القسامة في الجاهلية (3632).
[5] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (3693).
[6] الحاكم في المستدرك (4184)، قال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: لقطات من حياة عبد المطلب بن هاشم
التعليقات
إرسال تعليقك