التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هل ولَّى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أقاربه؟
نبدأ الحديث بالسؤال التالي وهو: هل تولية الأقارب ممنوعة شرعًا بشكل عام، أم يجوز ذلك عند توفُّر الشروط المناسبة؟
أولًا: لم يرد أيِّ نصٍّ يمنع تولية الأقارب، فالشرط في الولاية هو الكفاءة والأمانة دون النظر إلى مسألة القرابة، خاصَّة إذا لم يكن هناك تعمُّدٍ لتجاهل الأكفاء من غير الأقارب.
ثانيًا: ولَّى الرسول صلى الله عليه وسلم الأصلحَ ولو كان قريبًا له، ولو حَرُم ما فعله صلى الله عليه وسلم:
1- جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عمِّه، على صدقات نجران، وكذا جعله أميرًا لبعض السرايا كفدك، والفلس، واستخلفه على المدينة في غزوة تبوك، وأرسله أميرًا على الجيش إلى اليمن، وجعله المتحدِّث باسمه في حجِّ العام الهجري التاسع.
2- وأعطى ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إمارة المسلمين في الحبشة، وأعطاه الإمارة الثانية لجيش المسلمين في مؤتة،
3- وأعطى عمَّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه إمارة سرية سيف البحر،
4- وأعطى عبيدة بن الحارث بن المطَّلب رضي الله عنه، وهو من أبناء عمومته صلى الله عليه وسلم، إمارة سرية رابغ،
5- وأعطى خاله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إمارة سرية الخرار، وكذا إمارة سرية كنانة.
6- أيضًا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم متبنَّاه زيد بن حارثة رضي الله عنه إمارات كثيرة، سواء قبل إلغاء التبني، وكان عندها يُعْرَف بزيد بن محمد صلى الله عليه وسلم، أو بعد إلغاء التبني، فقد أعطاه إمارة عدة سرايا بلغت تسعة؛ هي القردة، وبني سليم، والعيص، والطرف، وحسمى، ووادي القرى، وأمِّ قرفة، ومدين، ومؤتة، كما استخلفه على المدينة مرتين،
7- وأعطى ابنه أسامة بن زيد رضي الله عنهما إمارة سريتي الحرقات والبلقاء.
8- كذلك أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أخاه في الرضاعة أبا سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه إمارة سريةٍ إلى طليحة الأسدي، كما استخلفه على المدينة في غزوة العشيرة.
9- أيضًا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمارات لأقاربه عن طريق المصاهرة؛ فأعطى أبا بكر رضي الله عنه والد زوجته عائشة رضي الله عنها إمارة سرية بني فزارة،
10- وأعطى عمر رضي الله عنه والد زوجته حفصة رضي الله عنها إمارة سرية تربة،
11- واستخلف عثمان رضي الله عنه زوج ابنته أمِّ كلثوم رضي الله عنها على المدينة في غزوة ذي أمر،
12- واستعمل المهاجر بن أبي أميّة بن المغيرة المخزومي رضي الله عنه، وهو أخو أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها لأمِّها، على صدقات كندة والصدف،
13- وكذا استعمل الطاهر بن أبي هالة رضي الله عنه، وهو ابن زوجته خديجة رضي الله عنها من زوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صدقات عكٍّ والأشعريين،
14- وأمَّر مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه، وهو حليف لعمِّه حمزة رضي الله عنه، على سرية الرجيع.
كل هذه الأمثلة تثبت جواز إعطاء الولاية أو الإمارة للأقارب، بشرط أن يكونوا أهلًا لذلك، وبشرط ألا يُتجاهل غيرهم من غير الأقارب، وأن تكون المصلحة الأعلى للمسلمين هي الهدف من الولاية.
ثالثًا: الأقارب في ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وإذا كان الشيعة ينتقدون عثمان رضي الله عنه في توليته لخمسة من أقاربه فإننا نقول لهم قد فعل ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته، وهو عندكم معصوم كما تدَّعون، ولسنا نلوم على عليٍّ رضي الله عنه في ذلك، فلابد أنه رأى أن الأصلح هو توليتهم، ولكننا نخاطبهم بمنطقهم نفسه، ونريهم أن عليًّا رضي الله عنه فعل ما يراه جائزًا، وهو تولية بعض الأقارب أصحاب الكفاءة والأمانة:
1- أعطى عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه ولاية البصرة لابن عمِّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما،
2- وأعطى إمارة مكَّة لابن عمِّه قُثَم بن عباس رضي الله عنهما،
3- وأعطى إمارة المدينة لابن عمِّه تمَّام بن عباس رضي الله عنهما،
4- وأعطى إمارة اليمن لعبيد الله بن عباس رضي الله عنهما،
5-وأعطى إمارة مصر لربيبه محمد بن أبي بكر، وهو ابن زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه السابقة،
6- وأعطى إمارة خراسان لجعد بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها،
7- وأعطى قيادة الجيش لابنه محمد بن الحنفية؛ ابن خولة بنت جعفر من سبي بني حنيفة.
8- أيضًا كانت إمارة الحج دومًا في عهد عليٍّ رضي الله عنه لأبناء عمِّه العباس رضي الله عنه؛ فأمير الحج لعام 36 هجرية هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأميره في عام 37 هجرية هو قُثَم بن عباس رضي الله عنهما، وأميره في عام 38 هجرية هو عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما، أما في 39 هجرية فقد أرسل عليٌّ رضي الله عنه من طرفه أميرًا هو عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأرسل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من طرفه أميرًا آخر للحج هو يزيدَ بن شَجَرَة الرَّهَاوِيّ رضي الله عنه، فاختلف الأميران، ثم اتَّفقا على إعطاء إمارة الحج في هذا العام لطرف ثالث هو شيبة بن عثمان العبدري رضي الله عنه، ولكن الشاهد أن عليًّا رضي الله عنه كان قد اختار من طرفه أحد أبناء عمومته للمهمة.
إننا لا نذكر هذه الإحصاءات طعنًا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فهو الخليفة الراشد المبجَّل، ورأيه صائبٌ بلا جدال، ولكننا نستعين بما فعله عليٌّ رضي الله عنه لفهم ما فعله عثمان رضي الله عنه، ولنردَّ على الشيعة مزاعمهم في أن اختيار عثمان رضي الله عنه لبعض أقاربه في الولايات يعتبر أمرًا قادحًا فيه.
رابعًا: في عهد الصديق وعمر رضي الله عنهما لم تكن الولايات كثيرة في قبيلتيهما؛ لأن القبيلتين كانتا صغيرتين، وبالتالي لم يكن منهما من يرشَّح للولاية، ومع ذلك تولى منهما رجال، فقد جعل عمر رضي الله عنه مسئوليَّة الرِّقابة على السوق لسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ العَدَوِيِّ، وولَّى النعمان بْن عدي بْن نضلة العدوي ولاية ميسان شمال البصرة[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك