ملخص المقال
أكد تقرير الأمانة العامة للجنة الملكية لشئون القدس أن القدس تتعرض إلى حملة تهويد منظمة وواسعة لتغيير وجهها الحضاري
بمناسبة إعلان القدس المحتلة مدينة الثقافة العربية للعام 2009، أصدرت الأمانة العامة للجنة الملكية لشئون القدس تقريرًا فنيًّا وقانونيًّا موثقًا بالخرائط والصور بشأن الحفريات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تلة باب المغاربة وحول المسجد الأقصى في القدس الشريف.
وأكد التقرير أن القدس تتعرض إلى حملة تهويد منظمة وواسعة لتغيير وجهها الحضاري وفرض لون واحد عليها وتقزيم تعدديتها التاريخية والعرقية والثقافية والدينية في محاولة إقصائية تهدف إلى تهميش الوجود الفلسطيني العربي الإسلامي والمسيحي والتنكر لإنجازاته التاريخية، وذلك بالعديد من الطرق مثل الاستعمار الاستيطاني والتضييق على السكان الأصليين لإجبارهم على الهجرة وكذلك العزل بالجدران ونقاط التفتيش العسكرية.
وتعتبر تلة المغاربة الشاهد الأخير على هذا الحي الذي كان ينبض بالحياة وأزيل بما يزيد عن 135 سكنًا ومسجدين وزاويتين صوفيتين. كما تمت السيطرة على مفاتيح باب المغاربة.
كما تمت مصادرة ما يزيد على 116 دونما من الأراضي الخاصة والوقفية بذريعة إعادة بناء الحي اليهودي في المدينة.
وقد أصبح الممر الأثري مع الوقت عرضة للتهديد مع استمرار التنقيبات في المنطقة الغربية للحرم من كلا الجانبين في إطار البحث المحموم عن بقايا الهيكل. وقد جرى إضعافه إنشائيا بصورة متواصلة. ومنعت السلطات الإسرائيلية التي تسيطر على المكان، الأوقاف الإسلامية من إجراء أعمال التدعيم للممر الأثري.
وفي سنة 2004 جرى انهيار جزئي في ظروف غامضة لأحد جوانب التلة التراثية، وبدلاً من إجراء أعمال التدعيم والترميم للانهيارات تركت على حالها لتتفاقم وجرى بناء جسر خشبي مؤقت سنة 2005. وقد أفصحت السلطات الإسرائيلية عن نيتها في إجراء تغييرات شكلية في المكان بحجة الترميم وإزالة الخطر.
تشير المخططات الإسرائيلية إلى بناء جسر جديد ضخم في المكان بالغ الحساسية. ففي حين كان طول الممر الترابي حوالي 52 م، سيكون طول الجسر الجديد المقترح حوالي 137م وسينطلق من منطقة الآثار المكتشفة عند السور الجنوبي بالقرب من باب المغاربة (باب المدينة) وسيغير هذا المخطط الوضع الراهن القائم منذ سنة 1967 كليا ويخلق وقائع تخطيطية واستيطانية جديدة.
وجدير بالذكر أن بعض علماء الآثار الإسرائيليين قد أعربوا سنة 2006 عن معارضتهم لهذا المخطط، وأشاروا إلى أن المخطط المقترح سيلحق الضرر بأحد أهم المواقع الأثرية في العالم. وطالبوا أن تكون المخططات المعدة لموقع بهذا القدر من الأهمية نتيجة عمليات تشاوريه.
وحذرت جهات دولية مختلفة من أن استمرار هذه التنقيبات على مستويات عميقة من مستوى الأساسات وتفريغ الأرض تحت هذه المباني التاريخية القديمة سيضعف أساسها ويحمل أخطارا إنشائية كبيرة على هذه المباني على المدى القريب والوسيط.
وجاءت الممارسات الإسرائيلية الأولى لتغيير الوضع الراهن، الذي أرسى في القدس عبر قرون، بتدمير حارة المغاربة، وتسوية ساحة ضخمة أمام حائط البراق لاستخدامها لأغراض دينية ومدنية إسرائيلية (احتفالات عسكرية تهدف إلى تعزيز علاقة "أيديولوجيه" بين الإسرائيليين والحائط، حيث يقسم الجنود الإسرائيليون يمين الولاء لدولتهم، وذلك بعد انتهائهم من التدريب العسكري)، إضافةً إلى وضع اليد على حائط البراق بعد توسيعه وتسجيله سنة 1984 في دائرة الأملاك الإسرائيلية كملك للدولة (إسرائيل).
مفتاح باب المغاربة
في آب 1967، وقبل مرور شهر على الاحتلال الإسرائيلي للقدس العربية، وقبل الانتهاء كليًّا من تدمير وتسوية أطراف حارة المغاربة، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان، مدير أوقاف القدس، المرحوم حسن طهبوب، بتسليم مفتاح باب المغاربة (بابا الحرم الشريف للقوات الإسرائيلية.
وبالتشاور مع أعضاء الهيئة الإسلامية (المشكلة حديثًا) رفض هذا الطلب، على اعتبار أن أبواب الحرم القدسي الشريف هي جزأ لا يتجزأ من الحرم، الذي هو ملكية إسلامية خالصة، وان السيادة الإسلامية عليه غير قابلة للنقاش وتضمنها كل القوانين الدولية، ومنها التاريخ الإسلامي الطويل للموقع. وفي 31 آب من نفس العام، حضرت قوة من الجيش الإسرائيلي إلى مقر دائرة الأوقاف الإسلامية وانتزعت مفتاح المغاربة بقوة السلاح. وهكذا أصبح مفتاح الباب والباب بذاته تحت سيطرة القوات الإسرائيلية التي وضعت عليه قوة من الشرطة العسكرية الإسرائيلية تمركزت أيضا في جزء مما تبقى من الزاوية الفخرية (زاوية أبو السعود). بدأت المعركة بين دائرة الأوقاف الإسلامية والحكومة الإسرائيلية، بخصوص باب المغاربة، تأخذ أشكالا متعددة، وتصاعدت بحريق المسجد الأقصى (21 آب 1969)، حيث ربطت الأوقاف الإسلامية الحريق بالسيطرة الإسرائيلية على باب المغاربة، على اعتبار بان مسبب الحريق قد استخدم ذلك الباب (تحت نظر وسمع القوات الإسرائيلية) لتهريب المواد الحارقة التي استعملها في إشعال السقف الخشبي لسطح المسجد وقبته، وبذلك طالبت الأوقاف استرداد سيطرتها على الباب.
وسارعت إسرائيل إلى إغلاق باب المغاربة خشية دخول إسرائيليين إلى الحرم والدخان يتصاعد من المسجد، كما سارعت الأوقاف إلى إغلاق كافة بوابات الحرم أمام غير المصلين المسلمين، وربطت بين إعادة فتح الحرم أمام الزوار غير المسلمين بإعادة سيطرتها على باب المغاربة.
خشيت إسرائيل أن تكون الأوقاف الإسلامية قد استطاعت، بحكم الأمر الواقع، استعادة سيطرتها على الحرم متذرعة بحريق المسجد الذي ألهب مشاعر المسلمين في كافة أنحاء المعمورة.
ووصلت أهمية الأمر حدًّا دعا الحكومة الإسرائيلية إلى عقد جلسة لمجلس وزرائها بتاريخ 19 أكتوبر أول 1969 لمناقشة الأمر بشكل مطول، واتخذت قرارا بفرض فتح الحرم أمام الزوار " لإعادة الحياة الطبيعية لهذه المنطقة". وفي اليوم التالي قامت القوات الإسرائيلية بفتح باب المغاربة عنوة أمام الزوار غير المسلمين متحدية بذلك قرار الأوقاف الإسلامية، ومؤكدة بان السيطرة على الحرم الشريف ليست إسلامية خالصة، أو على الأقل غير معترفة بسيطرة الأوقاف المطلقة. لم تنفك دائرة الأوقاف الإسلامية من إعلاء صوتها، محليًّا ودوليًّا، معلنة رفضها وخشيتها من السيطرة الإسرائيلية على باب المغاربة، حيث لمست التغييرات التي يمكن أن تحدث نتيجة هذه السيطرة. فعلى سبيل المثال، أصدرت الهيئة الإسلامية بتاريخ 18 شباط 1976 بيانًا ذكرت فيه بالواقع الذي وصل إليه الحرم "... يكفي أن نقول إن دائرة الأوقاف الإسلامية، وهي الدائرة المختصة بحماية المسجد الأقصى، لا تملك الإشراف الفعلي على مداخله وأبوابه، فما زالت السلطات (الإسرائيلية) تحتفظ حتى هذه اللحظة بمفتاح أحد الأبواب الرئيسية وهو باب المغاربة".
ولم تتوان الأوقاف الإسلامية عن متابعة الموضوع بجدية، حيث أرسلت بتاريخ 9/8/1977 رسالة بهذا الخصوص إلى وزير الخارجية الأمريكية تحتج فيها على مصادرة مفتاح باب المغاربة وعلى الممارسات الإسرائيلية الأخرى التي تحاول الهيمنة على الموقع. وإثر مهاجمة جندي إسرائيلي برشاشه قبة الصخرة وإطلاقه النار داخل وخارج القبة بتاريخ 28 ابريل 1982، قامت الأوقاف الإسلامية بإغلاق الحرم أمام الزوار من غير المسلمين، على اعتبار أن هذا الجندي قد دخل بسلاحه إلى الحرم من باب الغوانمة التي يخضع للسيطرة الإسرائيلية، كبقية أبواب الحرم، وأصدرت بيانا جاء فيه " أن عملية فتح وإغلاق أبواب الحرم الشريف هي حق مطلق للمسلمين". استخدمت هذه الحادثة إحكام السيطرة الإسرائيلية على باقي الأبواب، وذلك بتثبيت حرس الحدود (جيش مدرب على قمع الاحتجاجات ويتبع في إدارته للشرطة الإسرائيلية) على كل بوابات الحرم الشريف، الذين أصبحوا يتحكمون بالدخول والخروج من والى الحرم.
كما أصبح الجيش يتحكم بأي من بوابات الحرم يمكن فتحها وأي منها يتم إغلاقه بحجة الترتيبات الأمنية لحماية الحرم من المتطرفين (اليهود). وبالرغم من نجاح الهيئة الإسلامية بالحد من تجول قوات حرس الحدود داخل باحات الحرم الشريف، وذلك بتاريخ 28/5/1984، إلا أن ذلك لم يدم طويلا، حيث عاد هؤلاء مرة أخرى للظهور، معلنين بالممارسة العملية أن "السيادة" في الموقع هي "إسرائيلية".
الصراع يحتدم مع عملية السلام
وبين التقرير أن مسائل الصراع على السيادة على الحرم الشريف بقيت محورًا أساسيًّا في تاريخ القدس منذ عام 1967، تخبو وتشتعل، تبعا لتطورات الأحداث وأوضاع العامة في المنطقة، ومدى قدرة الحكومة الإسرائيلية على مراكمة المزيد من المكاسب السيادية التي بدأتها في باب المغاربة. وقد ازدادت المحاولات الإسرائيلية لتوسيع سيطرتها على كل مدينة القدس عقب اتفاقيات أوسلو عام 1993، محاولة بذلك فرض أمر واقع واستباق نتائج المفاوضات النهائية (ومنها التفاوض على مستقبل القدس)، عبر زيادة رصيدها بالسيطرة على الأراضي وفرض المزيد من رموز "السيادة الإسرائيلية".
ومن الممكن الاعتقاد، بالرغم من موافقة إسرائيل في كل من مفاوضات كامب ديفيد الثانية وما تبعها من مفاوضات في شرم الشيخ ومعايير الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، على التفاوض على مستقبل القدس عبر تقسيم المدينة إلى منطقتي سيادة إحداها إسرائيل والأخرى فلسطينية، لم تصل إلى مرحلة الجدية، بل جاءت الموافقة على مبدأ تقسيم المدينة إلى مدينتين على سبيل المماطلة للانتهاء من مخططها التهويدي، لتصل بالمدينة إلى حالة يصعب تقسيمها.
وفي عام 1997 بدأت دائرة الأوقاف الإسلامية، بدعم من مبادرات شعبية، بمبادرة جريئة لترميم إسطبلات سليمان (أصبحت تعرف الآن بالمصلى المرواني)، والتي تقع تحت الساحة الجنوبية الشرقية لمنطقة الحرم الشريف، والتي تبلغ مساحتها حوالي 4500 متر مربع.
وبالتالي الحصول على مسجد ثالث تفوق مساحة الجامع الأقصى وقبة الصخرة مجتمعين، موفرًا مكانًا ضخمًا إضافيًّا للمصلين (حوالي 5000 مصلى)، وقاطعًا على الإسرائيليين خططهم بالدخول إلى الحرم الشريف وتحويل جزء منه إلى كنيس يهودي، وخاصة أن المصلى المرواني يرتبط مع خارج القدس مباشرة بعدة بوابات مغلقة، من السهل فتحها، وربطها بساحة البراق.
التعليقات
إرسال تعليقك