ملخص المقال
خريطة فلسطين قبل النكبة 1948 مقال بقلم عيسى القدومي، يوضح فيه أهمية المحافظة على حدود فلسطين وعدم الاعتراف بما يدعيه اليهود من كذب
عرضت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني خريطة سياسية لفلسطين ما قبل الاحتلال اليهودي في عام 1948م، وطبيعي ألا تحوي تلك الخريطة اسم إسرائيل. ومن هنا جاء الاعتراض والجدل من السفير الأمريكي في الأمم المتحدة جون بولتون الذي أعرب عن استغرابه من تعليق هذه الخريطة في معرض حول يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني!!
وزاد الأمر تعقيدًا حين التقطت صورة تذكارية لعدد من كبار المسئولين بمن فيهم الأمين العام كوفي أنان أمام تلك الخريطة، وعَدَّ بولتون وجود هذه الخريطة مشجعًا على فكرة أن الأمم المتحدة تدعم إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود دولة فلسطين ما قبل عام 1948م، مع ما يعني ذلك من اختفاء "دولة إسرائيل"!! والغريب في الأمر أن تتحرك مشاعر بولتون إلى هذا الحد وكأنه الناطق الرسمي باسم كيان الاحتلال والإرهاب. ومن أجل إرضائه اضطرت الأمم المتحدة إلى التذكير بموقفها الداعم لإقامة دولتين يهودية وفلسطينية الذي أقرته في عام 1947م. والاعتذار بشكل دبلوماسي عن هذا الخطأ غير المقصود!!
وهذا مثال حي لتعي الأمة حجم المؤامرة والتي ما زالت مستمرة لسلب فلسطين والقدس من أصحابها تاريخًا وتراثًا مثلما سلبت منهم حسًّا وواقعًا.. فاللص المغتصب كعادته يسيئه التذكير بما سلبه وتنعم به، يعمل جاهدًا على طمس كل الحقائق حول ما تم اغتصابه والكيفية التي سلكها في عملية السرقة!! لتبقى الجموع العربية على جهلها بما حدث فعلاً على -حد قول الباحثة البريطانية روز ماري- في كتابها "من الاقتلاع إلى الثورة": لقد أدى الافتقار إلى تاريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع التي لم تذكر إلا مجزأة؛ سعيًا بالجمهور العربي إلى البقاء على جهله بما حدث فعلاً.
ولا ريب أن طمس الحقائق حول فلسطين وما حل بها مشروع عالمي نعيشه يومًا بعد يوم هدفه حماية دولة "العدوان" وإبقاؤها الدولة الأقوى في المشرق العربي عسكريًّا، والأكثر انتشارًا اقتصاديًّا في المنطقة، ولهذا لم تجد إدارات دول كبرى حرجًا من أن تكون الناطقة الرسمية باسم دولة الاحتلال والإرهاب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
فعرض خريطة تظهر ما كانت عليه فلسطين قبل ما يقارب 58 سنة بمدنها وشوارعها وأرضها وجبالها وبحارها وأنهارها حق شرعي وقانوني وتاريخي وأخلاقي وإنساني، فكيف نتجاوز التاريخ ونخفي حقيقة الوجود الفلسطيني قبل عام 1948م، ونقحم اسم إسرائيل في خريطة فلسطين حتى ما قبل الاحتلال؟! لعلهم ظنوا أنهم سينجحون في ذلك كما نجحوا في تغيير المسميات وإقحام اسم اليهود وأحيائهم في القدس وغيرها من أرض فلسطين المسلمة، ونشر أباطيلهم بأنها أرض بلا شعب!! صحراء خالية!! أرضهم الموعودة!! أتوا ليعمروها ويحولوها إلى جنة خضراء.
الأرض التي بارك الله تعالى فيها للعالمين أرض الأنبياء والتي شهدت نزول الوحي السماوي على كثير من الأنبياء، أرض إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وسليمان وداود وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، أرض باركها الله تعالى، وبلاد ذكر الله فضلها في كتابه، وعلى لسان نبيه r، بعمرها التاريخي الذي يفوق 5000 سنة، شهدت دولاً وحضارات، حروبًا وتحريرًا، فكيف تكون أرضًا صحراء جرداء تنتظر عودة اليهود إليها؟!
لهذا؛ فإنني أنصح مراكز الدراسات المتخصصة ودور النشر بطباعة خريطة فلسطين ما قبل 1948م ونشرها في كل بيت مسلم لما لها من معاني عميقة تثير كل يهودي قادة ومحتلين ومن والاهم، وتذكرهم بجريمتهم النكراء في احتلال أرضٍ وتشريد شعبٍ.. ننشرها لتكون إسهامًا في معركة الدفاع عن فلسطين والمسجد الأقصى، وتذكير أنفسنا وأجيالنا أنّ قبل عشرات السنوات كانت فلسطين وكان لها مدنها وسكانها الآمنين، حتى سُلبت منهم في مشروع دولي عالمي رعته بريطانيا لإهداء فلسطين إلى عصابات اليهود.
أتذكَّر قبل بضع سنوات عندما عرضت على بعض الأخوة مجموعة من صور قديمة للقدس خلال عام 1900م إلى 1947م، أي ما قبل الاحتلال اليهودي، فوجئوا بما حوته الصور من تفاصيل حول مدينة القدس من معالم وحضارة فشوارع مرصوفة وبناء في غاية الجمال وتنظيم رائع للمدينة وأشجار خلابة، وآثار تحكي تاريخًا لا ينسى، وكان قول أغلبهم لماذا لا تنشر هذه الصور؟! فعلينا دائمًا أن نذكر أنفسنا وأبناءنا والأجيال القادمة بحقيقة ما جرى في فلسطين؛ لأن الغاصبين ومن والاهم أرادوا لذاكرتنا أن تكون قصيرة الأمد فيما حدث، وفي المقابل يقحمون أسماعنا بأباطيلهم ليلاً ونهارًا حتى صدّقهم بعض الجهلة والرعاع.
ولهذا؛ فإن أرض فلسطين كانت وما زالت قطعة من العالم الإسلامي، بل هي فلذة كبده، وستبقى حية في نفوس أبناء هذا الدين، سواء احتلها الصليبيون أم اليهود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يزعزع اعتقادنا بذلك إنكار سُرَّاق التاريخ والأرض والمقدسات.
المصدر: موقع عيسى القدومي.
التعليقات
إرسال تعليقك