التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ماذا تعرف عن الزكاة والجزية في عهد عمر رضي الله عنه؟
في عهد عمر رضي الله عنه كثر المال جدًّا في الدولة الإسلاميَّة، وتحديدًا بعد العام الخامس عشر من الهجرة، أي بعد انتصاري اليرموك والقادسية؛ وذلك لكثرة الغنائم، وحيازة معظم كنوز كسرى، وكذلك الكثير من ثروات قيصر، بالإضافة إلى الخراج المتحصَّل من الأراضي الواسعة التي صارت في الدولة، فضلًا عن الزكاة، وهذا ما نوضحه:
1- الزكاة:
تكون الزكاة ربع العشر في المال، والذهب والفضة، والإبل، والبقر، والغنم، أما الزكاة في الزروع والثمار تكون كما جاء في صحيح البخاري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا[1] العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»[2].
وقد كان عمر رضي الله عنه يتبع العدل في جباية الأموال، وكان ذلك دون الإخلال بحقوق بيت المال: فعَنْ عائشة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: مُرَّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِغَنَمٍ مِنَ الصَّدَقَةِ. فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ. فَقَالَ عُمَرُ: «مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟» فَقَالُوا: شَاةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ. لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ[3] الْمُسْلِمِينَ، نَكِّبُوا[4] عَنِ الطَّعَامِ»[5].
وجاء في موطأ مالك أن مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَأْتِي قبيلة أشجع مُصَدِّقًا، فَيَقُولُ لِرَبِّ الْمَالِ: «أَخْرِجْ إِلَيَّ صَدَقَةَ مَالِكَ. فَلَا يَقُودُ إِلَيْهِ شَاةً فِيهَا وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ إِلَّا قَبِلَهَا». قَالَ مَالِكٌ: «السُّنَّةُ عِنْدَنَا، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، أَنَّهُ لَا يُضَيَّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي زَكَاتِهِمْ، وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا دَفَعُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»[6].
ومن الأمور المهمة في الزكاة أن الأصل في السُنَّة لا زكاة على العبيد ولا على الخيل: فعَنْ أَبِي هريرة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»[7].
غير أنه قد حدث تطوُّر في عهد عمر رضي الله عنه، فقد عرض عليه أهل الشام أخذ الزكاة من ثمن العبيد والخيل: فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ، قَالُوا لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: خُذْ مِنْ خَيْلِنَا وَرَقِيقِنَا صَدَقَةً، فَتَأَبَّى، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَبَى، ثُمَّ كَلَّمُوهُ أَيْضًا، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: «إِذَا أَحَبُّوا فَخُذْهَا مِنْهُمْ، وَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ، وَارْزُقْ رَقِيقَهُمْ»[8].
وقد أقر عمر ذلك على أهل المدينة: فعَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ: لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُزَكَّى، وَإِنَّ عَامَّةَ مَالِكُمُ الْيَوْمَ الرَّقِيقُ وَالْخَيْلُ، فَجَعَلَ فِيمَا بَلَغَ الذَّرْعَ، مِنْ عَبْدٍ أَوِ أَمَةٍ، دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَالذَّرْعُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَفِي الْخَيْلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي الْبَرَاذِينِ[9] خَمْسَةُ دَرَاهِمَ "[10]، ويفهم أنه لم يفرض الزكاة في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لأنها ليست من عروض التجارة.
2- الجزية على اليهود والنصارى والمجوس:
أما الجزية على اليهود والنصارى والمجوس فَبَعَثَ عمر عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَوَضَعَ عَلَيْهِم ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهمًا، وَأَرْبَعين وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا.
أي أنَّ الموسر يدفع 48 درهم، وهذه توازي 4 دنانير ذهبية أي 17 جرام ذهب، يعني أقل من ألف دولار سنويًّا على الأسرة، أما المتوسط يدفع 24 درهم، يعني 500 دولار، أما الفقير 12 درهم يعني 250 دولار، وقد يُرْفَع عنه بالكلية في حال العجز، أيضًا لا تؤخذ الجزية من المرأة، ولا الطفل، ولا الشيخ الكبير، ولا الراهب، ولا المعاق عن العمل، ولا العبد، ولا المجنون، ولا من شديد الفقر.
هكذا كان عمر رضي الله عنه يأخذ الجزية من اليهود والنصارى، بالإضافة إلى المجوس، وقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَائِمًا[11]، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»[12].
سقوط الجزية:
أما عن سقوط الجزية، فتسقط الجزية بالموت فلا يدفع أهل الميت جزية عن الميت، وتسقط بالإسلام، ولو أسلم في آخر أيام السنة التي يدفع فيها الجزية، وأيضًا تسقط بالفشل في الدفاع عن المأخوذ منهم الجزية، وتسقط بالفقر، وتسقط بالتحول إلى السِّنِّ الكبير الذي لا يقوى فيه على الحرب، أو بالتحوُّل إلى الإعاقة بمرض أو إصابة، ولو كان غنيًّا[13].
[1] العثري: الذي يشرب بلا سقي، والنضح أي نضح الماء، أو الحمل على الإبل، أو المسقي بآلة، والمقصود الذي يُبْذَل فيه جهد.
[2] البخاري: كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقي من ماء السماء وبالماء الجاري (1412).
[3] حزرات: جمع حَزْرة، أي خيار مال الرجل.
[4] نكِّبوا عن الطعام: أي ابتعدوا عن الشاة الأكولة ذات اللبن.
[5] مالك بن أنس: الموطأ، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1406هـ= 1985م، 1/ 267.
[6] مالك بن أنس: الموطأ، 1/ 267.
[7] مسلم: كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه (982).
[8] ابن زنجويه: الأموال، تحقيق الدكتور: شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، السعودية
الطبعة الأولى، 1406هـ= 1986م، 3/ 1022.
[9] البراذين: الخيل غير العربية.
[10] ابن زنجويه: الأموال، 3/ 1022.
[11] ابن زنجويه: الأموال، 1/ 136.
[12] البيهقي (13764).
[13] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: الزكاة والجزية في عهد عمر
التعليقات
إرسال تعليقك