ملخص المقال
الإمام الشافعي علَّامة لا يستطيع إلا أن يكون متقنًا، وقد انتشر مذهبه الفقهي في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي.
انتشر المذهب الشافعي في مناطق كثيرة من العالم، وإذا كنا قد قلنا إن انتشار المذهبين الحنفي والمالكي راجع نسبيًّا إلى تبني بعض الحكام له في بعض المراحل التاريخية، كتبني الدولة العباسية ثم العثمانية للمذهب الحنفي، وتبني هشام بن عبد الرحمن والمعز بن باديس للمذهب المالكي، فإن المذهب الشافعي انتشر لانضواء عدد كبير من العلماء النوابغ تحت لوائه، وذلك من أول أيام ظهوره، وفي مراحل التاريخ المختلفة، الآن ينتشر المذهب في 15% من المسلمين تقريبًا، وهو الثالث بعد الحنفي والمالكي، وللشافعي أصحاب وتلاميذ في أماكن جغرافية كثيرة لكثرة ترحاله، ويمكن تقسيمهم حسب البلد إلى تلاميذ مكة، والعراق، ومصر، وذلك حسب الترتيب الزمني للصحبة.
في مكة:
تلاميذ الشافعي في مكة أهمهم اثنان؛ واحد بقي في مكة، والآخر رحل معه إلى مصر، وهم:
1- مُوسَى بن أبي الْجَارُود رَاوِي كتاب الأمالي (الكبير 30 جزء، والصغير 12 جزء، وَغَيره عَن الشَّافِعِي، وَكَانَ يُفْتِي بِمَكَّة على مَذْهَب الشَّافِعِي.
2- الإِمَام أَبُو بكر الْحميدِي الْمَكِّيّ صَاحب الشَّافِعِي ورفيقه فِي الرحلة إِلَى الديار المصرية، وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: مَا رَأَيْت أنصح لِلْإِسْلَامِ وَأَهله مِنْهُ
وَقَالَ الْحَاكِم: الْحميدِي مفتي أهل مَكَّة ومحدثهم وهو لأهل الْحجاز فِي السّنة كأحمد بن حَنْبَل لأهل الْعرَاق، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَله مُسْند مَشْهُور.
في العراق:
1- أحمد ابن حنبل: «قال حرملة: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من بغداد، وما خلفت فيها أفقه، ولا أزهد، ولا أورع، من أحمد بن حنبل».
2- أبو ثور الكلبي: وهو ناقل أقواله الْقَدِيمَة، كَانَ اُحْدُ الْفُقَهَاء الأعلام والثقات، وقال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهًا، وعلمًا، وورعًا، وفضلًا، وديانةً، وخيرًا.
3- الحسن بن محمد الزعفراني: من أبرز رواة القديم، وكان أفصح أصحاب الشافعي لسانًا. برع في الفقه والحديث وصنَّف فيهما كتبًا، وسار ذكره في الآفاق، ولزم الشافعي حتى تبحَّر.
قَالَ الزعفراني: «قدم علينا الشافعي واجتمعنا إليه فَقَالَ: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يجترئ أحد يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سنا، ما كَانَ فِي وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي، وأتعجب من جسارتي يومئذ، وقَالَ: لما قرأت كتاب «الرسالة» عَلَى الشافعي قَالَ لي: من أي العرب أنت؟ فقلت: ما أنا بعربي، وما أنا إلا من قرية يقال لها الزعفرانية. قال لي: فأنت سيد هذه القرية.
4- الكرابيسي: البغدادي صاحب الإمام الشافعي، وأحفظهم لمذهبه في العراق، وهو أحد رواة مذهبه القديم»، وقال السبكي: «كَانَ إِمَامًا جَلِيلًا جَامعا بَين الْفِقْه والْحَدِيث، تفقه أَولا على مَذْهَب أهل الرأي ثمَّ تفقه للشافعي».
في مصر:
1- أبو يعقوب البويطي: الْمصْرِيّ الْفَقِيه وخليفة الشافعي فِي حلقته، وقد حُمل إِلَى بَغْدَاد فَامْتنعَ من القَوْل بِخلق الْقُرْآن فحبس إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ صَالحًا متعبدًا زاهدًا».
2- الربيع بن سليمان: الإمام الثاني للشافعية من أئمة مصر راوي كتب الشافعي عنه. وقال الخليلي: ثقة متفق عليه، والمزني -مع جلالته- استعان بما فاته عن الشافعي «بكتاب الربيع»، وكان انقطاعه إلى الشافعي، فكان ذلك سبب رفعته».
3- الربيع الجيزي: كان قليل الرواية عنه، وكان حَسَن الحديث صدوقًا.
4- إسماعيل بن يحيى المزني: قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشَّافِعِي أَنا والمزني والبويطي فَنظر إِلَيْنَا وَقَالَ للمزني: "هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان قطعه أَو جدله". «قَالَ الشَّافِعِي: الْمُزنِيّ نَاصِر مذهبي». فهو مثل محمد بن الحسن لأبي حنيفة، وابن القاسم وابن وهب لمالك!
5- يونس بن عبد الأعلى: عالم موسوعي، ومن أئمة الحَدِيث روى عَنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وكان الشافعي يرى أنه أعقل تلامذته، وقال الذَّهَبِيّ: انتهت إِلَيْهِ رئاسة الْعلم بديار مصر لعلمه وفضله وورعه ونسكه ومعرفته بالفقه وَأَيَّام النَّاس».
هؤلاء هم الطبقة الأولى من طبقات أصحاب الشافعي، وقد جاء من بعدهم علماء كبار اتَّبعوا المذهب، ودافعوا عنه، ونشروه بالكتب، والتدريس، والمناظرات، ومن أشهرهم: القاضي حسين، وابن حبان، وابن فُورَك، وابن عساكر، وابن كثير، وابن قاضي شهبة، وابن الجزري، وابن رسلان، وابن الصلاح، وابن دقيق العيد (مجدد المائة السابعة)، وابن حجر الهيتمي، وابن حجر العسقلاني، وشمس الدين السخاوي، والعز بن عبد السلام، والمقريزي، والسبكي، والماوردي، وأبو إسحاق الشيرازي، وجلال الدين السيوطي، والنووي، والبيضاوي، والمناوي، والعراقي، وفخر الدين الرازي، وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني، وأبو حامد الغزالي، وأبو بكر البيهقي، والرافعي، وأبو نعيم الأصبهاني، وعبد القاهر البغدادي، وعبد القادر الجيلاني، والحاكم النيسابوري، والخطيب البغدادي.
أماكن انتشار المذهب:
ينتشر المذهب الشافعي في الشام، ومصر، وإندونيسيا، وماليزيا، وشرق إفريقيا، وجنوب الهند، واليمن، وأجزاء من الحجاز وتهامة وفي الأحساء في المنطقة الشرقية وفي مناطق جازان وعسير جنوب السعودية، وفي وسط العراق، وإقليم كردستان، وفي أجزاء من إيران.
كتب المذهب المعتمدة:
كتاب (المختصر) للمُزني (ت 264هـ)، وقد اختصره من "الأم"، و(الحاوي الكبير) لأبي الحسن الماوردي (450هـ)، و(المهذب) لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ)، و(نهاية المطلب في دراية المذهب)؛ لإمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت 478هـ)، و(الوسيط) لأبي حامد الغزالي (ت 505ه)، (المُحرَّر) للإمام الرافعي (ت 623ه)، (منهاج الطالبين وعمدة المفتين) للنووي (ت 676ه)، (تُحفة المحتاج بشرح المنهاج) لابن حجر الهيتمي (974هـ).
كتب مناقب الشافعي وطبقات الشافعية:
«فضائل الشافعي» لمحمد ابن عبد الحكم (268هـ)، و«فضائل الشافعي» لداود بن علي الظاهري (270هـ)، و«مناقب الشافعي» لابن حبان البستي (354هـ)، و«مناقب الشافعي» للبيهقي (٤٥٨هـ).
«طبقات الفقهاء» للشيرازي الشافعي(ت:476هـ)، و«طبقات الفقهاء الشافعية» لابن الصلاح (643هـ)، «طبقات الشافعية الكبرى» لتاج الدين السبكي (ت:771هـ)، و«طبقات الفقهاء الشافعيين» لابن كثير (774هـ)، و«العقد المذهّب في طبقات حملة المذهب» لابن الملقّن (ت:804هـ)، و«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (851هـ).
أقوال في حق الشافعي:
- قال أبو ثور: «من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب، كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يُعتض منه».
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: «ما رأيت أحدًا أعقل ولا أورع ولا أفصح ولا أنبل رأيًا من الشافعي».
- قال أحمد بن حنبل: «إذا جاءت المسألة ليس فيها أثر، فافْتِ فيها بقول الشافعي».
- قال أيوب بن سويد [أحد شيوخ الشافعي ومات قبله بـ 11 سنة]: «ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي»[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك